لقد تلقت جمعية الفصل العاشر بصدمة كبيرة تصريحات السيد وزير العدل لجريدة الشروق والتي تضمنت تأويلا خطيرا لقانون الاجراءات الجزائية يتعارض مع ماضي السيد الوزير شخصيا بوصفه مناضلا حقوقيا قبل أن يكون وزيرا كما انها تتعارض مع حقوق الانسان وضمانات المحاكمة العادلة ونظرا إلى خطورة هذه التصريحات فإننا ونيابة عمن نمثلهم من موقوفين سياسيين ذكرهم السيد الوزير صراحة نبين ما يلي: أولا في ما يتعلق بالقول إن «آجال الإيقاف مفتوحة إذا ما أحيل ملف القضية إلى دائرة الاتهام». فإن السيد الوزير فاته التنقيح الذي أدخل على الفصل 85 م ا ج بموجب القانون عدد 75 لسنة 2008 المؤرخ في 11 ديسمبر 2008 المتعلق بتدعيم ضمانات المتهم وتطوير وضعية الموقوفين وتيسير شروط الإدماج والذي ألزم قضاء التحقيق بدرجتيه بضرورة احترام أقصى مدة الإيقاف وللتذكير فإن إجابة وزير العدل الأسبق البشير التكاري (الموقوف حاليا) عند مناقشة هذا القانون أمام مجلس النواب حول هذه المسألة كانت قاطعة وصريحة بأن: «الأجل يتعلّق بالتّحقيق بدرجتيه، درجة قاضي التّحقيق ودرجة دائرة الاتّهام. حتى أكون عمليّا أكثر، نفرض أنه لجريمة وصلنا إلى أجل 14 شهرا إلا يومين، وتمّ تعهّد دائرة الاتّهام في اليوم السابق لهذا الأجل، فإنّ دائرة الاتّهام عليها إذا تواصل نظرها أكثر من يوم أن تفرج».
وبالتالي فإننا نستغرب تجاوز هذه المداولات والتي هي المرجع الأساس في فهم القانون كما نستهجن هذه الردة في الفهم والتي تعيدنا إلى عهود الظلم والاحتجاز خارج القانون. وللتذكير أيضا فإن المواثيق الدولية التي صادقت عليها بلادنا تؤكد حق كل متهم في محاكمة خلال مدة معقولة، فأين المعقولية إذا تجاوز التحقيق 9 أو 14 شهرا حسب الحالة؟ وكان من واجب السيد الوزير أن يطلع على نص المادة التاسعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ثانيا في ما يتعلق بالقول: «قد يكون هذا القانون مجحفا في حق المظنون فيهم والمشتبه بهم لكن عددا من هؤلاء الموقوفين الآن أو الذين هم محل مساءلة وتتبع (وزراء ومسؤولين سابقين) هم من ساهموا في عهد الظلم والاستبداد في صياغة هذا القانون». فهذا قول غريب مستنكر وليس له إلا معنى واحد أن هؤلاء الموقوفين سياسيا يتعرضون الآن لعملية انتقامية، هذا علاوة على ما فيه من إنكار لمراحل تطور عملية الإيقاف التحفظي الذي تدرج ما بين سنة 1987 و2008 من المطلق المفتوح ليصل إلى حد أقصى لا يمكن التمديد فيه دون تعليل ومنتهاه هو 9 أو 14 شهرا، فهل تشهد تونس ما بعد الثورة رجوعا عما تحقق من مكتسبات لا لشيء إلا لأنها تمت في العهد السابق؟.
وعلاوة على ما سبق فإن كلام السيد الوزير يعتبر تدخلا سافرا في مسألة هي محل نظر الآن أمام دائرة الاتهام ومحكمة التعقيب ونحن كجمعية نعتبر هذه التصريحات نوعا من التعليمات الصريحة غير المباشرة لتوجيه حكم القضاء وهذا يتعارض مع ضمانات نزاهة وحياد واستقلالية القضاء.
كما لا يفوتنا هنا التأكيد على أن القراءة الصحيحة للنصوص المتعلقة بالإيقاف التحفظي لا يمكن ان تعطي إلا تفسيرا واحدا وهو أن أقصى مدة الإيقاف (بالنسبة إلى جميع السلط القضائية) هي ستة أشهر ولا يمكن تجاوزها إلا من قبل قاضي التحقيق يقرار معلل. فعبارات الفقرتين الأولى والثانية من الفصل 85 مجلة إجراءات جزائية وردتا بصيغة مطلقة فيما جاءت الفقرة الثالثة المتعلقة بالتمديد خاصة بقاضي التحقيق دون سواه من بقية السلط وهذا ما يفسر أحكام الفقرة الثانية من الفصل 107 مجلة إجراءات جزائية التي أبقت قاضي التحقيق صاحب نظر في مآل بطاقة الإيداع حتى بعد إحالة الملف لدائرة الاتهام.
إن جمعية الفصل العاشر إذ تعلن استغرابها الشديد من التصريحات غير العادلة للسيد وزير العدل فإنها تؤكد أن تونس من الدول ذات التشريعات المتطورة والتي تكرس أغلب ضمانات المحاكمة العادلة المنصوص عليها في المواثيق الدولية إلا أن مشكلة العهد السابق هي في التباين بين النص والواقع فأغلب الضمانات بقيت حبرا على ورق ومن المفترض أن يقع الآن تفعيلها فلا حاجة لنا بمزيد النصوص النظرية وإنما حاجتنا أن نجعل الواقع مطابقا للقانون.
لهذا فإننا نتمنى أن لا يكون لتصريحات السيد وزير العدل البعيدة كل البعد عن روح وأهداف الثورة أي تأثيرا على القضاء الذي هو مطالب بدوره بتفعيل وتطبيق النصوص الوطنية واحترام المواثيق الدولية ووضع حد لكل عملية إيقاف بلا حدود. عاشت تونس بلد الحرية والكرامة ولنعمل معا من أجل قضاء مستقل يحفظ كرامة المواطن وهيبة الوطن.