ما هي أسس تصوّر الثقافة العربية الاسلامية لقضايا حقوق الانسان وما مدى تطابقه مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان؟ هذه الإشكالية طرحتها ندوة «حقوق الانسان في الثقافة العربية الاسلامية» التي انتظمت أمس. الندوة التي نظمها مركز الزيتونة للدراسات الاستراتيجية بتونس كان منطلقها ذلك الجدل الدائر في العالم الاسلامي منذ الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 حول مدى تقاطع مبادئ هذا الاعلان أو تطابقها مع المبادئ الانسانية للدين الاسلامي، بين طرف رافض لهذه المبادئ مطلقا بسبب تصادمها مع جوهر العقيدة الاسلامية ومجرد أداة يتخذها الغرب للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وطرف ثان يرى غير ذلك، إذ يعتقد في كونية هذه المبادئ وتطابقها مع ما يدعو إليه الدين الاسلامي من تكريم للإنسان. وفي مداخلته اعتبر الدكتور أبو يعرب المرزوقي أن طرح مسألة حقوق الانسان في الحضارة العربية الاسلامية سيبقى مجرد حديث نظري ما لم يتم ربطه برهان اللحظة. وقال المرزوقي ان حقوق الانسان ليست علاقة بين مواطن ودولة أو بين مواطن ومجتمع بل هي أيضا بين المواطن والدولة الكونية أو النظام الدولي، مشبّها حقوق الانسان بهرم بقاعدة ذات أربعة أضلاع هي الدولة الوطنية والمجتمع الوطني والدولة العالمية والمجتمع العالمي، أما قمة الهرم فتوجد في ضمير كل إنسان، وهي الحق المطلق والعدل المطلق، والمسلم هنا يقول انها الفطرة التي فطر اللّه الناس عليها. وأكد المرزوقي أن حقوق الانسان تنقسم الى خمسة أجيال، فالجيل الأول هو جيل الحقوق السياسية وقد حققته البورجوازية الأوروبية في القرنين 18 و19 ومنها حق التنظم والتحزّب والتعبير.. وحذّر أبو يعرب المرزوقي في هذا السياق من أن ما يهدّد الثورة في تونس هو أن البورجوازية تريد أن تحقق هذا المستوى الأول من الحقوق وتقف عند ذلك الحد. وأضاف أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية أن الجيل الثاني هو جيل الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطن، كحق العمل والضمان الاجتماعي والعلاج والتقاعد، وهذا تحقّق بفضل النضالات النقابية في الغرب وفي العالم. أما الجيل الثالث حسب المرزوقي، فهو ثمرة المجتمعات النامية التي ثارت لتستقل من الاستعمار البورجوازي الغربي بجيليه السياسي والاقتصادي، وهذا الجيل يتعلق بالحق الثقافي أو معركة الهويات. وأكد أبو يعرب المرزوقي أنه إضافة الى هذه الأجيال الثلاثة، يجب إضافة جيلين يتعلقان الآن بعلاقة الشعوب المستضعفة بالشعوب التي سيطرت على الدولة الكونية العالمية. وحذّر أبو يعرب من أن ثورتنا الحالية يُراد لها التقديم بأنها عديمة الماضي، وأنها ليست حصيلة لنضالات متوالية وإنما هي مجرّد هبّة لقوم جاعوا فانتفضوا، وخلص الى القول إن ما يجعل الثورة التونسية ثورة هي تلك المسافة بين الواقع والمثال. وقدّم مدير مركز الزيتونة عبد المنعم السحباني محاضرة عن مفهوم حرية التعبير في الثقافة العربية الاسلامية. وقال السحباني إن ثمّة اشكالا في تطبيق هذا المفهوم، متسائلا «هل حرية التعبير موجودة في الثقافة العربية الاسلامية؟» ومشيرا الى أن البعض يعتبر الاسلام سبّاقا في ضمان هذا الحق الانساني ومنهم من يرى أن الغرب سابق. وأوضح السحباني أن العالم اليوم أصبح أمام نظريات لا تصمد أمام الواقع، فالدساتير أصبحت متشابهة الى حدّ كبير، وحتى الدستور التونسي السابق لا يختلف كثيرا عن الدستور السويسري، ولكنه يربط كل الحقوق والحريات الذي يقول إنه يضمنها «بما يقتضيه القانون». وتوقّف السحباني عند الفصل 18 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ينصّ على «الحرية في اختيار الدين وإمكانية الرجوع عنه» مشيرا الى أن جدلا فقهيا كبيرا عرفه العالم الاسلامي عبر التاريخ حول حكم الردّة، ومستحضرا في هذا المجال بعض الحالات التي أثارت جدلا مثل سلمان رشدي ونصر حامد أبوزيد، وكذلك التعامل مع الشيوعيين لدى وصول حزب البعث الى الحكم في العراق في أواخر ستينات القرن الماضي. وأكد السحباني أن قوة الاسلام ليست في الاكراه والتسلّط بل في الاقناع.