الصحبي عمارة ورفيق بالحاج فرج لقد تعالت عدة أصوات خلال الأيام الأخيرة تنادي بضرورة التوافق حول ميثاق مواطنة ، أو كما عبر عنه البعض بالميثاق أو العقد الجمهوري يتضمن من جهة عدة مكتسبات وحقوق ، تبناها وكرسها الشعب التونسي منذ الإستقلال مثل الحق في الصحة والحق في التعليم للجميع ... لا بد من المحافظة عليها. ويتضمن من جهة أخرى جملة من المبادئ والقيم والحقوق التي احتوتها الإتفاقات والمعاهدات الدولية المصادق عليها من طرف الدولة التونسية والتي لم يقع تفعيلها وتكريسها إلا بصفة جزئية حسبما كشف عنه المسار الثوري. ولئن كانت هذه المبادرة جديرة بالإهتمام والتقدير خاصة وقد حضيت بتوافق شعبي ونخبوي إلا أنها تخفي في باطنها مخاوف لدى أصحابها من مستقبل تركيبة المجلس التأسيسي وهيمنة مجموعة مسيطرة قد تستغل شرعيتها» الإستثنائية « الناتجة عن عدم جاهزية الشعب التونسي لإختيار من يمثله لتفرض منوالا للدستور من شأنه أن يحد من تجسيم تلك المبادئ والقيم. وفي المقابل يتحفظ البعض على مثل هذه المبادرات لكونها مبنية على خلفيات سياسية. هذا فضلا على كونها تقيد سلطات المجلس التأسيسي بصفة مسبقة والحال أنه يفترض في المجلس التأسيسي أن يكون سلطة عليا لا تعلوها أية سلطة أخرى. في الحقيقية إن مثل هذه المواقف والتحفظات لا تعدو أن تكون سوى تجاذبات سياسية ذات بعد ضيق وبعيد عن طموح الشعب التونسي الذي يريد أن يمجده التاريخ من خلال نتاج ثوري مميز .كما يريد أن يعطي الدليل على أن تونس ،ذلك البلد الصغير ، قادر على الإثراء والإبداع والمساهمة في تطوير هذه القيم وإعطائها بعدا كونيا إنطلاقا من تجربته الثورية. إن التونسي وبعد هذه الثورة النوعية والتي اعترف العالم بخصوصيتها الفريدة مقارنة مع بقية الثورات التي عرفتها الإنسانية ، من حقه اليوم أن يسترجع إنسانيته وعزته وثقته في قدراته وأن يتجاوز تلك النظرة الإستعلائية للغرب وذلك بتجاوز الصبغة القطرية لمشروع الميثاق الجمهوري أو العقد الجمهوري المقترح وأن يرنو للكونية ويساهم في الحضارة الإنسانية بإضافة مبادئ أخرى لحقوق الإنسان أفرزتها ثورته التي كانت كالموجة الأولى « لتسونامي الثورات» الآخذة في الإنتشار متجاوزة كل الحدود. ومن هذا المنطلق يحق لتونس اليوم أن تستثمر هذه الفرصة التاريخية وأن تستأثر بالمبادرة والأسبقية لتكريس المبادئ الناتجة عن هذا الإمتداد الثوري الذي يشهده العالم العربي لتبرز من خلال موروثها الثقافي والحضاري خصوصية نظرتها لمفهوم حقوق الإنسان ، وتساهم في إثراء موروث الحضارة الإنسانية ... لم لا ؟ لتجاوز كل هذه الإختلافات السياسية ، نقترح الإرتقاء بفكرة الميثاق إلى مستوى مشروع «إعلان تونسي لحقوق وواجبات الإنسان والمواطن « يحظى بموافقة الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ، تلتزم من خلاله جميع الأطراف السياسية ، في صورة فوزها بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي ، بأن تصادق على هذا الإعلان عند بداية عمل المجلس. إن « الإعلان التونسي لحقوق وواجبات الإنسان والمواطن « يجب أن يكون له بعدا جديدا لمفهوم حقوق الإنسان يقوم بالأساس على فكرة التضامن والمواطنة المتأصلة في الشعب التونسي والتي تجسدت على أرض الواقع سواء بين التونسيين فيما بينهم على غرار التشكل التلقائي للجان الشعبية للدفاع عن الأفراد والممتلكات ، أو تجاه الشعوب الأخرى ومثال ذلك المدّ التضامني العفوي تجاه اللاجئين على الحدود التونسية الليبية. إن هذا البعد الجديد يتمثل في إضافة حقوق جديدة أفرزها الواقع ونجد لها صدى في الحراك الثوري الذي عرفته تونس ولعل أهم هذه الحقوق هي: الحق في التنمية العادلة والمستديمة ، الحق في تقاسم الثروة بين الجهات وبين الأفراد الحق في المساواة في الفرص ، الحق في محيط سليم ، الحق في حماية التراث ، الحق في المعلومة ، والحق في السلم... إن هذه الحقوق المعبرعنها بالجيل الثالث لحقوق الإنسان رغم أهميتها ، لم يصدر في شأنها إلى غاية اليوم أي نص قانوني ذي صبغة دولية مثلما هو الحال بالنسبة للجيلين الأول والثاني. واقتصر الأمر على مجرد الإشارة إليها في بعض المعاهدات الدولية والإقليمية مثل معاهدة نيروبي المتعلقة بالإعلان الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. إن «الإعلان التونسي لحقوق وواجبات الإنسان والمواطن» في بعده الجديد يتميز عن الإعلانات الغربية لحقوق الإنسان بتركيزه على الوجه الثاني لتلك الحقوق ألا وهي واجبات الإنسان ومسؤلياته. ومن هذه الواجبات التأكيد على واجب آداء الجندية لما لهذا الواجب من أهمية في حياة الشعوب تجلت على وجه الخصوص في تونس من خلال الموقف المشرف جدا للجيش في حماية الشعب وإلتزامه الحياد عن الحياة السياسية خلال الثورة وبعدها ، واجب أداء الضرائب للمحافظة على سيادة الدولة وإستقلالية قرارها السياسي والإقتصادي ، واجب إحترام القوانين والقطع مع الفوضى والتسلط ، واجب المحافظة على المكتسبات في ميدان الأسرة مع ضرورة تدعيمها وتطويرها... إن «الإعلان التونسي لحقوق وواجبات الإنسان والمواطن « في بعده الجديد من شأنه أن يحقق ويفعل مفهوم الدولة الحديثة بالإعتماد على فكرة الحكم الرشيد من خلال التكريس الحقيقي لمفهوم دولة القانون والمؤسسات. ومشاركة الجميع في الشأن العام المساءلة وضرورة أن يلعب المجتمع المدني بكل مكوناته الدور المنوط بعهدته. إن « الإعلان التونسي للحقوق وواجبات الإنسان والمواطن « في بعده الجديد يجب أن يؤكد على ضرورة وجود آليات وضمانات ملموسة وإجرائية ذات صبغة دستورية رقابية تتحقق من خلالها الممارسة الفعلية لهذه الحقوق والواجبات. إن هذا الطرح المقتضب لمشروع الإعلان ، لعله يكون بداية فكرة تتعهد الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ببلورتها والتعمق فيها للوصول إلى مشروع «إعلان تونسي لحقوق وواجبات الإنسان والمواطن» يمكننا من تجاوز جميع التجاذبات بين الأطراف السياسية ، كونه يترفع على الحسابات الضيقة وكونه يهدف إلى إعطاء هذا "الإعلان" بعدا عالميا.