جندوبة: عاملات فلاحيات يطالبن بحقوقهن    اقرار حكم بالسجن في حق الغنوشي وبوشلاكة    وزارة الصحة تناقش مشروع قانون يتعلق بتربية الكلاب والحيوانات الخطرة على هامش التحضير لليوم العالمي لداء الكلب    سليانة-رئاسية 2024: انطلاق أولى الأنشطة الدعائية للحملة الانتخابية للمترشح قيس سعيد    مواعيد إنطلاق موسم الصيد البري    تراجع التضخم يعزز القروض للأفراد    تقرير دولي ينوه بدور البنوك التونسية في تعزيز النمو والشمول المالي    البنك المركزي يراجع مقاييس تمويل البنوك لزراعة القمح اللين والصلب والبقول والشعير والأعلاف    أبرز اهتمامات الصحف التونسية لهذا اليوم..    تشكيلة الاتحاد المنستيري المحتملة ضد مولودية العاصمة    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي من تأكيد نتيجة الذهاب .. والتأهل إلى دور المجموعات    "عصفور جنة" فيلم روائي طويل لمراد بالشيخ يطرح بشكل كوميدي ناقد تحديات زواج المسلمة بغير المسلم    غدا موعد الإعتدال الخريفي    عاجل/ مرض غامض يضرب هذه الدولة..    ظهر في مناطق قريبة من الحدود مع السودان: مرض غامض يضرب هذه البلاد    اتصالات تونس وجمعية "المدنية": التزام متواصل ومتجددّ لدعم التعليم    وكالة التحكم في الطاقة تُعلن عن برنامج وطني لتجهيز سيارات كهربائية في المؤسسات العمومية    التلفزة الوطنية تنقل مباريات الترجي والصفاقسي والاتحاد المنستيري    بقيادة معين الشعباني: نهضة بركان المغربي يبلغ دور مجموعات مسابقة كأس الكاف    كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الإفتتاحية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الامتيازات الممنوحة للتونسيّين المقيمين بالخارج عند اقتناء السيارات الكهربائية    عميد الأطباء البياطرة: نفوق أكثر من 300 حيوان في تونس جرّاء داء الكلب    مؤسسات إعلامية تقاضي غوغل    روسيا تسقط 101 مسيّرة أوكرانية.. و3 ضربات على خاركيف    حالة ترقب في فرنسا بانتظار كشف ميشال بارنييه تشكيلته الحكومية    الطقس في تونس : أمطار خفيفة واعتدال في الطقس    اليوم : ساعة من أجل تونس نظيفة: وزارة البيئة تدعو الجميع للمشاركة    الولايات المتحدة.. إضراب عمال بوينغ يدخل يومه الثامن    نكسات حزب الله.. أبرز القياديين المستهدفين خلال أشهر    حكايات من الزمن الجميل .. اسماعيل ياسين... الضاحك الحزين(2 /2).. النهاية المأسوية !    عادات وتقاليد: مزارات أولياء الله الصالحين...«الزردة»... مناسبة احتفالية... بطقوس دينية    في أجواء عراقية حميمة: تكريم لطفي بوشناق في اليوم الثقافي العراقي بالالكسو بتونس    في الذكرى الثالثة لوفاة المصور الكبير الحبيب هميمة...شقيقه رضا هميمة يصرخ: «انقذوا روح أخي من التجاهل والجحود والنكران»!    بنزرت ماطر: العثور على جثّة طفل داخل حفرة    القبض على 'الملثّم' المتورط في السطو على بنك في الوردية    الاولمبي الباجي يضم الثلاثي عزيز عبيد وماهر بالصغير وجاسر الخميري    طقس الليلة.. سحب كثيفة بعدد من المناطق    بالفيديو: مصطفى الدلّاجي ''هذا علاش نحب قيس سعيد''    مريم الدباغ: هذا علاش اخترت زوجي التونسي    بني خلاد: مرض يتسبّب في نفوق الأرانب    غرفة الدواجن: السوق سجلت انفراجا في إمدادات اللحوم البيضاء والبيض في اليومين الاخيرين    عاجل/ غارة بيروت: استشهاد 5 أطفال واستهداف قيادي بارز بحزب الله    '' براكاج '' لسيارة تاكسي في الزهروني: الاطاحة بمنفذي العملية..    إيقاف شخصين بهذه الجهة بتهمة الاتجار بالقطع الأثرية..    عاجل/ المدير الفني لجامعة رفع الأثقال يكشف تفاصيل هروب 3 رباعين تونسيين في بطولة العالم بإسبانيا..    تونس: حجز بضائع مهرّبة فاقت قيمتها أكثر من مليار    كأس الاتحاد الافريقي: النادي الصفاقسي والملعب التونسي من أجل بلوغ دور المجموعات    قفصة: إنطلاق الحملة الدعائية للمرشح قيس سعيد عبر الإتصال المباشر مع المواطنين    "دريم سيتي" يحل ضيفا على مهرجان الخريف بباريس بداية من اليوم    رم ع الصيدلية المركزية: "توفير الأدوية بنسبة 100% أمر صعب"..    ثامر حسني يفتتح مطعمه الجديد...هذا عنوانه    تحذير طبي: جدري القردة خارج نطاق السيطرة في إفريقيا    مصادر أمريكية: إسرائيل خططت على مدى 15 عاما لعملية تفجير أجهزة ال"بيجر"    توزر: وضع حجر الأساس لانجاز المحطة الفولطوضوئية الجديدة بطاقة انتاج قدرها 50 "مغواط" بجانب المحطة الأولى    والدك هو الأفضل    كظم الغيظ عبادة عظيمة...ادفع بالتي هي أحسن... !    مصر.. التيجانية تعلق على اتهام أشهر شيوخها بالتحرش وتتبرأ منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدية .. استباحت غابة «الغضابنة».. عصابات الكنوز الأثرية... تنهبُ «التاريخ والحضارة»
نشر في الشروق يوم 20 - 02 - 2019

غابة «الغضابنة» الواقعة بين معتمديتي قصور الساف، والشابة من ولاية المهدية حباها الله بطبيعة «عذراء» ساحرة، لكنّها بقيت تعاني من الإهمال «تنهشها» أيادي «عصابات» نهبت كنوزها الأثرية، وسرقت رمالها، وقطعت أشجارها.. «الشروق» زارت المنطقة، وحقّقت في الموضوع.
«الشروق» مكتب المهدية:
عندما تتوغّل بين المسالك الوعرة لغابة «الغضابنة»، وتعتلي احد الكثبان الرملية يأسرك مشهد امتزاج خضرة الأشجار المترامية، والنخيل الباسق بزرقة مياه البحر الصّافية التي تتكسّر أمواجها على ضفاف شاطئ اختزن كل «أسرار» الجمال، لكنك حين تدقّق النظر في زوايا، وتفاصيل الأمكنة تكتشف حجم الاعتداءات البشعة على المواقع الأثرية المنتشرة هنا، وهناك، وتقف مذهولا أمام الانتهاكات اليوميّة التي تتعرض لها الثروة الطبيعية بالمنطقة.
نهب الآثار...
كانت الساعة تشير إلى حوالي الساعة الرابعة مساء عندما عبرنا مسلكا فلاحيا وعرا صحبة دليلنا في الزيارة «الصحبي» لنصل إلى منطقة «العرق»، وتحديدا إلى الموقع الأثري «الدّواميس»، حيث عاينّا وجود كميات من الحجارة وقع استخراجها من بناءات أثرية قديمة ملقاة في أماكن مختلفة، ومجموعة من الآبار، و»الفسقيات» التي تعود حسب بعض المصادر إلى العهدين البونيقي، والروماني تعرّضت حواشيها إلى الكسر من قبل الباحثين تحت جُنح الظلام عن الكنوز الأثرية، والتي كانت تُستعمل على الأرجح في خزن المؤونة، والماء.
آثار النبش، والاعتداءات المتكررة خاصة بعد الثورة على هذه المواقع الأثرية بحثا عن الكنوز المدفونة في عمق الأرض، والقطع النقدية الأثرية (عثرنا على إحداها خلال جولتنا) تبدو ظاهرة للعيان باعتبار بُعدها نسبيا عن المناطق السكنية، وانعدام الحماية، وغياب المراقبة الأمنية المستمرّة بها، ووقوع بعضها في أراض يدّعي أصحابها أنها على ملكهم الخاص (ضايقنا أحدهم، وحاول منعنا من التصوير) رغم المراسلات، والنداءات المتعدّدة من قبل الأهالي، والنّاشطين في المجتمع المدني إلى السلطات المعنيّة من أجل تسجيلها في قائمة المواقع الأثرية المحميّة، لكن لا حياة لمن تنادي.
اعتداءات على الثروة الغابية
غير بعيد عن المواقع الأثرية المهملة تُقترف يوميّا اعتداءات صارخة على الثروة الغابية من خلال إقدام عدد من المتساكنين، وحتى القادمين من جهات أخرى على قطع الأشجار بطريقة عشوائية، ونقل كميات كبيرة منها على متن الشاحنات، والعربات المجرورة خاصة التي جابت المكان ذهابا، وجيئة أمام أنظار أعوان حراسة الغابات دون أن يحرّكوا ساكنا، هذا إلى جانب تنامي ظاهرة الرّعي العشوائي لقطعان المواشي، وتحوّل عدد من المناطق في عمق الغابة إلى مصبّات للفضلات بجميع أنواعها مع ما يرافق ذلك من انتشار الحشرات السامّة، والرّوائح الكريهة، ومن تشويه لجمال هذه الغابة المترامية الأطراف.
وفي مواصلة ل»مسلسل» الاعتداءات على هذه الثروة الطبيعية النادرة في حوض المتوسط فقد عمد عدد من أصحاب الشاحنات الثقيلة، والعربات المجرورة، والآلات الجارفة إلى سرقة رمال الغابة بصفة متواترة دون تراخيص قانونية وهو ما خلّف «تجويفات» واسعة تشبه «المقاطع» وسط الغابة قد تتسبب في اختلال توازن المنظومة البيئية خلال السنوات القادمة إذا ما تواصل الحال على ماهو عليه بالنظر إلى تأثيراتها السلبية على الغطاء النباتي، وعلى حماية المنطقة من التصحّر، وزحف الرّمال.
اكتشاف أثري ضخم
أكد الأستاذ محمد حواص ممثّل المعهد الوطني للتراث بالمهدية ل»الشروق» أن الموقع الأثري بمنطقة «الدّواميس» الذي تم اكتشافه مؤخرا يمثّل قيمة تاريخية هامة جدا تعود إلى الحقبة الرّومانية، وبالتحديد على الفترة الممتدة بين القرنين الأول والثاني بعد الميلاد مع وجود آثار لم تتوضّح جليّا ترجع إلى الفترة البونيقية وهي تتمثل في شبكة مخازن لحفظ المؤونة، و»فسقيات» لخزن الماء، ولوحات فسيفسائية من المرجّح حسب الأبحاث الأوّلية أن تكون مرتبطة بميناء تجاري ضخم لم يتمّ اكتشافه بعد.
وأضاف الأستاذ حواص أن فريقا متعدّد الاختصاصات تابعا للمعهد الوطني للتراث يقوم حاليا بعمليّات مسح لتعيين حدود الموقع الأثري الذي لم تٌسلّط عليه الأضواء إلا مؤخرا بعد مراسلات، وضغوطات عديدة من أجل إيلائه العناية اللازمة، مشيرا إلى أنه فوجئ بعمليات النّبش، والنهب التي تعرّض لها من قبل مهرّبي، وتجّار الآثار قبل تدخل الجهات المعنية التي تمكّنت من إنقاذ عدة قطع أثرية ثمينة أغلبها تمثّل أجزاء معمارية ضخمة على غرار «الصّواري»، و»القاعدات»، والأعمدة تم حفظها في مخازن بلدية الشابة في انتظار إيداعها في متحف خاص من المُبرمج تشييده مستقبلا، مشدّدا على ضرورة حماية هذا الموقع انطلاقا من وعي الأهالي، ووصولا إلى إدارة الغابات، والجهات الأمنية الذين يجب أن تتكاتف جهودهم للحفاظ على الموروث التاريخي، والحضاري للبلاد.
قرارات جريئة...
ومن جهته قال مختار رواق رئيس دائرة الغابات بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالمهدية إن أكثر من 20 عون حراسة غابات يقع تعزيزهم بعملة الحضائر خلال فصل الصيف يبذلون مجهودات جبّارة للتقليص قدر الإمكان من الاعتداءات على الثّروة الطبيعية بغابة «الغضابنة» الممتدة على مساحة تناهز 693 هكتارا باعتبار تشعّب، وتعقّد الوضعية العقارية بالمنطقة (أغلبها ملكية على الشّياع)، ودور الدولة التي لا تملك قانونيا خلافا لما يُشاع ولو متر واحد في الغابة يقتصر على التدخل بموجب الإخضاع لنظام الغابات وفق الفصل الرابع من مجلة الغابات، حيث تم تسجيل 50 محضرا في المدة الأخيرة ضد أكثر من 185 مواطنا من أجل تكسير، وقطع الأشجار، وجرف الأرض، وتحويل صبغتها من غابية إلى فلاحية.
أما في ما يخص سرقة الرمال من الغابة فقد أوضح رواق أنه في ظل عدم وجود أي فصل قانوني يردع المتجاوزين في مجلة الغابات فإن فرقة المتفجرات التابعة للحرس الوطني تعمل بدورها على الحدّ من هذه الظاهرة من خلال تسجيل المحاضر، وحجز الآلات الجارفة، لكن الحلّ الجذري وفق رأي رئيس دائرة الغابات لتجاوز مختلف هذه الاشكاليات المعقّدة هو اتخاذ قرارات جريئة من قبل أجهزة الدولة العليا، والإسراع بإجراء المسح العقاري الإجباري، وتقديم تعويضات مادية لكلّ من يقدم وثائق تثبت ملكيته لأرض بالمنطقة.
وختم رواق حديثه بالتأكيد على أن إجراء المسح العقاري الإجباري سيساهم بدرجة كبيرة في تيسير عملهم، وفي حمايتهم من التهديدات، والتعنيف الذي يتعرضون له بصفة متواترة، إلى جانب الحفاظ على الثروة الطبيعية بالغابة، وعلى توازنها البيئي، وتنوّعها البيولوجي المتكوّن أساسا من أشجار «الكلتوس»، و»البندق»، و»الأكاسيا»، وحيوانات الحجل، والأرنب، والخنزير الوحشي، والسلحفاة البحرية وهو ما سيفتح أمام هذه الغابة الساحلية النادرة آفاقا سياحية واعدة لعلّ من أبرزها الانطلاق في تشييد المشروع الايكولوجي الضخم بالغضابنة المعطّل منذ سنوات، والذي يمكن أن يحقق للمنطقة، ولجهة المهدية برمّتها نقلة نوعية على جميع الأصعدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.