شهد الأسبوع المنقضي تسارعا للأحداث في علاقة بتطوّرات الأزمة السياسيّة المستمرة في البلاد منذ ماي الفارط تاريخ تعليق مفاوضات وثيقة قرطاج2. ورغم أنّ بداية الأسبوع حملت بعض الآمال بعد لقاء الشيخين، السبسي والغنوشي، في قصر قرطاج، وإعلان رئيس حركة النهضة الأستاذ راشد الغنوشي عما وصفه بالفرصة الأخيرة لرأب صدع التوافق بإعادة تفعيله وإيجاد مخرج للمأزق السياسي الحاصل، الاّ أنّ أحداثا لاحقة أعادت التوتّر الى الساحة في مشاهد صداميّة وخطابات استقطابية عنيفة سواء في تصريحات الاتحاد العام التونسي للشغل أو قيادات نداء تونس أو في إعلان المكتب التنفيذي لحركة النهضة عن التمسّك بموقفه السابق في دعم الاستقرار الحكومي ورفض تغيير يوسف الشاهد، وأيضا في التحوّل الجديد في البرلمان والتوجه الى تشكيل أغلبية برلمانية بديلة مع إعلان تشكيل كتلة الائتلاف الوطني التي ترجّح كلّ المصادر صلتها برئيس الحكومة يوسف الشاهد. وللأسف يبدو أنّ الفرصة الأخيرة التي عرضها الغنوشي والتي تضمّنت العودة الى مسار وثيقة قرطاج والتوافق حول النقطة ال64 على قاعدة حكومة سياسية مستقلة ومحايدة يُواصل رئاستها يوسف الشاهد إذا ما التزم بإعلان عدم ترشّحه للانتخابات القادمة، يبدو أنّ هذه الفرصة في طريقها الى الهدر والضياع. وهو ما عكسته التحرّكات التي جرت أمس على وجه الخصوص والتي تحدّثت عن لقاء الشاهد عددا من نواب نداء تونس ودعوته لهم بالانضمام الى الكتلة الجديدة (الائتلاف الوطني) والتي أعقبها بيان شديد اللهجة من نداء تونس أمضاه المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي، مع صدور توضيح من رئاسة الجمهورية لوكالة تونس أفريقيا للأنباء نفت فيه علمها بوجود حل للأزمة السياسية محل توافق بين الشيخين يقتضي إعلان الشاهد عدم ترشّحه للانتخابات الرئاسية القادمة. التوتّر حاصل وبوادر مستجدات على غاية من الأهميّة منتظرة. والواضح أنّ الأطراف الكبرى الفاعلة قد اختارت المرور الى فرض سياسة الأمر الواقع والمرور بقوّة والمضي قدما في كسر العظام والمغالبة الى ما لا نهاية. وهذا الأمر سيان لدى الداعمين للشاهد أو المعارضين له بين متمسّك ببقائه وبين راغب في رحيله. وهذا الوضع مخيفٌ، إن لم نقل إنّه مرعبٌ، لأنّه يهدّد استقرار البلاد ومستقبل التجربة الديمقراطية الناشئة وراهنا فهو معطَّل لأي أمل في إيجاد حل وسط ينهي الأزمة السياسية أو يخفّف من وطأتها على المشهد العام في البلاد المليء بالإكراهات والمنغّصات والتحديات الجسام خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فموازين القوى الحالية تقسّم البلاد، بما فيها الدولة، إلى شطرين. وفي هذا خطر جسيم يستدعي من النخبة السياسيّة وخاصة لاعبيها الكبار العودة السريعة الى التحلّي بالحكمة والرصانة وتغليب المصلحة العليا للبلاد والدولة.فعلى الرغم ممّا يجري، الفرصة الأخيرة ما تزال متوفّرة في الجلوس معا وتقريب وجهات النظر وتبادل التنازلات ونزع فتيل الذهاب بالبلاد والعباد الى الأفق المجهول، لا قدّر الله.