هل تنتهي الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بمجرد إنهاء مهام رئيس الحكومة؟ أي السيناريوهات الممكنة للإطاحة بالشاهد؟ هل تكون وثيقة قرطاج مدخلا لإبعاده أم سيتكفل نواب البرلمان بذلك؟ أسئلة قد تجد ما يبررها في ظل تصاعد الدعوات للعودة إلى طاولة النقاش في إطار وثيقة قرطاج المتوقفة منذ ما يزيد عن أربعة أشهر. عودة نقاشات يبدو أنها لم تعد سوى مسألة وقت خاصة بعد أن دعا مجلس شورى حركة النهضة ومكتبها التنفيذي إلى إعادة صياغة اللقاءات والخروج من الأزمة، موقف قابله آخر بعد أن تبنت حركة نداء تونس ذات المطلب بالدعوة إلى اجتماعات قرطاج مجددا بل وعاد النداء للدفع بالتوافق كخيار سياسي لتجاوز الراهن على قاعدة مخرجات مسودة وثيقة قرطاج في نقاطها ال64. ومع إعلان النداء والنهضة العودة إلى مربع الحوار عاد الحديث عن مستقبل رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي مازال يناور الجميع وفق هامش واسع من الفرضيات. فرضيات قد تضيق هي الأخرى انطلاقا من سيناريوهات متحركة تقوم أساسا على إعادة التحالفات وصياغة مواقف مشتركة بين النداء والنهضة أساسا، وهو ما من شأنه أن يسرع بدعوة رئيس الحكومة للاستقالة أو بسحب الثقة من حكومته، وقد يتنفس الشاهد الصعداء في حال خير الحل الأسلم وهو ما تضمنته النقطة 64 نفسها بإعلان عدم ترشحه للانتخابات القادمة. الجميع يدرك ان إنهاء مهام الشاهد لن يمر إلا عبر البرلمان، حيث ان محاولات الإطاحة به انطلاقا من اجتماعات قرطاج قد تفسر بأنها محاولات لميلاد مؤسسة موازية للبرلمان وبالتالي عملية سطو واضحة على مهام النواب وهو ما تم رفضه في أكثر من مرة. ويعلم النداء ان محاولة الإطاحة بالشاهد من خارج باردو قد لا تجد مساندا داخل البرلمان لاصطدامها بالمسألة الدستورية. كما يدرك النداء انه ضعيف وغير قادر على صياغة تحالف لإبعاد الشاهد دون حركة النهضة، وهو ما يفسر رغبته في العودة إلى التوافق. فسيناريو التحالف بين كتلتي النداء والنهضة من شانه إنهاء طموح الشاهد، غير ان ذلك لن يحصل لتعارض أهدافهما، فالنهضة ترى ان بقاء الشاهد ممكن شرط ان لا يترشح لانتخابات 2019، في حين أضحت الرغبة في الإطاحة بالشاهد مسألة شخصية بالنسبة للمدير التنفيذي للحزب. ثاني السيناريوهات الممكنة للإطاحة بالشاهد هو أن يتخلى النداء عن موقفه الحاد إزاءه وان يحول مطلبه من نقطة شخصية الى خلاف حول البرنامج والأهداف وهو ما سعت قيادات بالنداء الى تأصيله في أكثر من حوار وتصريح الا انها سرعان ما تراجعت عن موقفها مع إعلان نواب عن ميلاد كتلة الائتلاف الوطني حيث من المنتظر ان يرتفع عددها من 34 نائبا ليدرك 45 نائبا قبل التصويت على قانون المالية 2019. تخوفات النداء من تشكيل كتلة محيطة بالحكومة يعني بالضرورة مواصلة الشاهد لمهامه وهو ما لن يرضاه المدير التنفيذي للنداء الذي سعى في وقت سابق الى تكوين الكتلة الكبيرة صحبة الأمين العام لمشروع تونس محسن مرزوق... كتلة أرادا من خلالها رسم حدود تحرك للشاهد وفق ما صرح به النائب عن نداء تونس عصام المطوسي الذي اعتبر «ان كتلة مرزوق والمدير التنفيذي ما هي الا محاولة لاستهداف الشاهد»، ولكن سرعان ما خفت هذا المشروع بعد التهديد باستقالات جديدة من كتلة مشروع تونس ومن النداء نفسه لينتهي حلم الكتلة «الكبيرة». ومع ارتفاع حدة الأزمة، فإن سياقات الإصلاح الاقتصادي في بلادنا باتت ضرورة عاجلة لإعادة الحد الأدنى من التوازنات، توازنات قد تخلص البلاد من تبعات الارتهان الى الجهات المانحة والمقرضة التي أخذت تضغط لرسم ملامح اقتصادنا الوطني. وإذا ما افترضنا جدلا أن الإصلاح مازال ممكننا رغم الهزات الحاصلة والتصنيفات السوداء المتتالية، فإن السؤال المحوري: من أين نبدأ وكيف يمكن ان يتحقق هذا الإصلاح؟ بعد إعلان رئيس الحكومة يوسف الشاهد حربه على الفساد توجهت حركة النهضة وعلى لسان رئيس الحركة راشد الغنوشي، في حوار خاص لقناة «نسمة»، بتاريخ غرة أوت 2017، إلى اقتراح تنظيم حوار وطني اجتماعي اقتصادي يجمع إتحاد الشغل ومنظمة الأعراف واتحاد الفلاحين والأحزاب قصد إيجاد المخرج الآمن للوضع الاقتصادي والمالي. وأكد الغنوشي أن تونس تتجه نحو مزيد الغرق ومزيد الديون والتبعية في صورة عدم التوصل إلى توافقات مجتمعية، موضحا أنه «على الحكومة أن تقود الحوار وتدعو إليه وتلتزم بتطبيق مخرجاته». وقد حاولت حركة النهضة التركيز على تناقضات المشهد الاقتصادي وتأثيراته على المسألة الاجتماعية وهي ذات النقاط التي نبه لها الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي الذي حذّر في أكثر من مناسبة وعبر عن تخوفات المنظمة من أزمات اجتماعية حادة نتيجة التحولات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وتبنى الاتحاد خيارات الإصلاحات الاقتصادية ليدعو مثلا إلى بعث لجنة وطنية مستقلّة لتقييم المراقبة البنكية وكذلك أعمال لجنة التحاليل المالية وتقديم الإجراءات الكفيلة بإعادة الاعتبار لدور البنك المركزي الرقابي على التداول المالي الدّاخلي والخارجي ودعم استقلاليته وإصلاح منظومات المراقبة المعلوماتية وتقييم المخاطر وتطوير أداء أجهزته وتعصير الإدارة ورقمنتها مع منح المسؤولية لذوي الكفاءة والخبرة والإلمام بعيدا عن المحسوبية والمحاصصة، وكذلك الإسراع بتطبيق القانون المتعلّق بالتصريح بالمكاسب والمصالح في القطاع العام والوظيفة العمومية والقطاع الخاص وبمكافحة الإثراء غير المشروع مع إعادة النظر في الإعفاءات الجبائية. وإذ توفرت نية الإصلاح انطلاقا من موقفي الغنوشي والطبوبي فان ذلك يتطلب دعما سياسيا واضحا وهو خيار تبناه الرئيس الباجي قائد السبسي في اكثر من خطاب مشترطا في هذا السياق مبدأ الاستقرار السياسي والاجتماعي. ومن المتوقع ان تنهي نقاشات قرطاج كل أشكال الخلاف بين الجميع أو الحد منها خاصة بعد عودة التوتر على جبهة الهوية على خلفية القبول بتقرير لجنة الحريات والمساواة ومعسكر الرفض، الأمر الذي دفع لعودة الحديث عن الهوية في مشهد مشحون ذكر التونسيين بواقع الأزمة إبان انتخابات المجلس الوطني التأسيسي حيث انقسم الشعب الى موقعين مختلفين، متناقضين أحيانا. الاجتماع القادم لوثيقة قرطاج قد يفتح بوابة الاستقرار فحضور شخص الرئيس سيدفع ببقية الحاضرين للمس الدعم السياسي، كما ان حضور الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يبقى من اهم محركات الاستقرار الاجتماعي، أما حضور رئيس حركة النهضة فيمثل الدعم السياسي لما للحركة من حضور داخل مجلس النواب وخارجه فاللقاء القادم هو في الأصل فرصة لتعديل المسار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بين مرحلتين انتخابيتين أولى مضت منذ سنة 2014 وأخرى قادمة في 2019.