قال الاستاذ لزهر العكرمي، المحامي وعضو الهيئة العليا لحماية الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي أن ما يخيف اليوم في تونس هو الحديث عن الانتقال الديمقراطي بواسطة قوى غير ديمقراطية، وأكّد في حديث ل «الشروق» أن عدم التوفق في فرض ضمانات للمستقبل سيجعل الوضع السياسي في تونس مفتوحا على كل الطرق بما في ذلك الطريق الى جهنّم... مضيفا أن التونسي يشعر اليوم بالحزن لما آل إليه الوضع الأمني في البلاد ولمشاهد الخراب والحرق التي عمّت مختلف مدن البلاد. واستغل العكرمي هذا الحوار ليوضح حقيقة الحملة الموجّهة ضدّه على موقع ال «فايس بوك» وحقيقة علاقته بالفلسطينيين. كما أبدى رأيه في تصريحات الراجحي وفي ردود الباجي قائد السبسي عليه وأيضا في الاجراءات التي تم اتخاذها الى حد الآن ضد الراجحي اضافة الى مواقف أخرى من عدّة مواضيع على غاية من ا لأهمية. برأيكم، أين وصل الوضع السياسي في البلاد بعد حوالي 4 أشهر من فرار بن علي؟ تمنيت أن أعثر على أي شخص بامكانه الآن أن يجيب عن السؤال الذي يطرحه الناس في عموم البلاد بصيغة «وين ماشين»...وفي اعتقادي، أن هناك صراعا مازال محتدما بين الديمقراطية والاستبداد. فما ألاحظه أننا كنا نعيش في ظل استبداد عمودي احتكره بن علي وأجهزته على مدى 23 عاما والآن هذا الاستبداد تفتّت فصار أفقيا، تقاسمته بعض الوجوه والتيارات التي تضيق بالرأي المخالف وتحمل ميولات جارفة للاستئصال والاقصاء والأحاديّة وإن ما يخيف في المستقبل هو الحديث عن الانتقال الديمقراطي بقوى غير ديمقراطية تعتقد أنها تملك الحقيقة وتمثل الشعب. هناك هاوية لن ننجح إلا إذا وضعناها خلف ظهورنا وتوجّهنا نحو المستقبل لبناء مشروع ديمقراطي حداثي يقوم على الانتخاب والتداول ويضع في اعتباره بناء نموذج اقتصادي متطوّر يراعي خصوصيات البلاد وامكانياتها ويهدف الى تطوير التعليم والاعتناء بالصحّة العامة والمشاركة الجماعية في الشأن العام. لذلك فإن عود الأمن واطلاق «ماكينة» الانتاج والتوقف عن ابتزاز الدولة الضعيفة بالمطالب القطاعية القابلة للتأجيل يعتبر مهاما وطنية ملقاة على عواتق جميع السياسيين ليعدّلوا خطابهم في هذا الاتجاه... لدينا موسم سياحي تزامنت بدايته مع اعلان حظر التجول وامتحانات الباكالوريا على الأبواب وسيُعتبر أي مساس بها في عداد الخيانة الوطنية وعليه، فإن عدم توفر هذه الضمانات للمستقبل القريب والبعيد سيجعل الوضع السياسي مفتوحا على كل الطرق بما في ذلك «الطريق الى جهنم». لاحظنا في المدّة الاخيرة أن حملة ضدّك قامت على موقع ال «فايس بوك» تتحدث عن أنك حوكمت بالاعدام من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لعلاقتك باسرائيل، وأنك ممثل منظمة «فريدوم هاوس» الامريكية في تونس، فما خلفية ذلك؟ أولا، إن هذا الكلام مضحك وأنا أعرف خلفيته... ذلك أني ونتيجة للخطاب المعتدل الذي أقوله بمناسبةكل دعوة من قناة تلفزية وطنية أو عربية، تعرّضت لمثل هذه السخافات من عدد محدود ممّن لم يفلحوا حتى في التشويه. وقد بثّوا هذه الاشاعة دون وضع أسمائهم وأنا أعرف هذه الأطراف التي تبحث عن العيون التي ترى في الظلام بوضوح لتفقأها... وفي الحقيقة فأنا قاتلت الى جانب الفلسطينيين على مدى 5 سنوات اثر اجتياح 1982 للبنان في صفوف حركة «فتح المجلس الثوري» وكان عمري آنذاك 23 عاما، ولم أنتم يوما للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكنت صديقا وما أزال لعدد من كوادرها وقياداتها بمن فيهم أناس موجودون الآن في تونس. لماذا لم تفصح عن هذه المعلومات الا الآن؟ كان قرارا تنظيميا بأن لا يتم اشهار انتمائي، فالحركة وقتها كان جل نشاطها مهاما سريّة وبأسماء حركيّة، لذلك حتى عندما عدت الى تونس عام 1990، وتم التحقيق معي في وزارة الداخلية طيلة يوم كامل، عُوملت على أنّي طالب قادم من الخارج مشاغب ومعارض رغم نقطة الاستفهام التي حامت حول بقائي 10 سنوات كاملة خارج البلاد دون عودة... وقد عملت عامين في الصحافة (بجريدة «الشروق») من 1990 الى 1992 بعد أن اكتسبت خبرة العمل الصحفي في مجلة «فلسطين الثورة». وفي 1992، انتدبت للعمل بوزارة العدل كملحق صحفي بالديوان الى حدود 1994، حيث قدمت استقالتي بعد أن تمّت مطالبتي بالانخراط في التجمع الدستوري الديمقراطي ورفضت... ومنذ ذلك التاريخ وأنا أعيش في المحاماة، أتطوّع للدفاع عن قضايا الرأي وأكتب في صحف المعارضة بطاقات سياسية ساخرة بأسلوب محمد الماغوط... هذه كل القصّة دون تفاصيل مملّة وأنا مازلت انتظر من ثقافة التشويه الحق في القذف بدل الحق في الاختلاف. ما رأيك في قنبلة فرحات الراجحي بوصفك رجل قانون وسياسة؟ كنت أتمنى أن تعالج قضية فرحات الراجحي بأكثر حكمة وتعقل... ففي زمن الانتقال الديمقراطي، التسويات التي تراعي مصالح البلاد هي الأجدى... الموضوع كان مجرّد حبّة سرعان ما تحولت الى قبّة بفعل سكب الزيت على النار... ولا أخفي أني استغربت سُرعة الاجراءات ضد فرحات الراجحي بالسعي لرفع الحصانة عنه واحتمال مقاضاته أمام المحكمة العسكرية، بل إني انتظرت ان يتم ذلك مع عبد االله القلال وزير الداخلية السابق، وغيره من رموز الاستبداد في العهد البائد على غرار ما حدث مع وزير الداخلية المصري حبيب العدلي، وبالمناسبة فإني أتوجّه الى السلطة الانتقالية بالقول أن لا مبرر أصلا لوجود محكمة عسكرية في زمن السلم لأنها قضاء استثنائي لا وجود له في الدول الديمقراطية وقد ألغتها فرنسا مثلا في 1982 على اثر وصول فرانسوا ميتيران الى الحكم. وفي نهاية المطاف، فإن ما حصل بمناسبة قضية فرحات الراجحي يجب أن تستخلص منه الدروس لدى عموم الطبقة السياسية وذلك بقول الحقيقة التي لا تعني بالضرورة تقديم الحكومة لكشف حساب يومي عن عملها في العلاقات الدولية. اذ لا يعقل ان يقدم أي وزير كشفا مفصلا عن زيارته للخارج، فتلك معلومات يجب التعامل معها على أنها أسرار دولة... وبدل تبسيط الأمور الى الحد الذي يجعل الوزير الأول مطالبا بالكشف عما قاله وما قيل له بمناسبة زيارة للخارج أو استقبال شخصية أجنبية، فإنه من الاجدى تأطير الحركات السياسية للشارع ودفعه للمشاركة في الانتقال الديمقراطي بأدوات خالية من الحرق والتكسير والسلب والنهب والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة والنزول بسقف التوتر الى الحد الأدنى الذي يسمح بعودة الانتاج والطمأنينة الى قلوب الناس وبيوتهم. حسب تقديركم، هل ما زال بالامكان اجراء الانتخابات في 24 جويلية خاصة أننا نعرف أن لك موقفا من هذا الموعد؟ في البداية، يجب القول ان الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة للوصول الى الشرعية، وبعد ذلك ستكون آلية لقيام النظام الديمقراطي الذي هو يعكس ما يبدو ليس «تغول» الأغلبية بقدر ما هو الحفاظ على حقوق الأقلية، أي بمعنى أن من يعتقد بمناسبة حصوله على الأغلبية أنه بإمكانه الاستحواذ على كل المساحات يكون قد استهلك شرعيته في مرة واحدة وتحول الى مستبد بواسطة الديمقراطية ومثاله ما حصل مع هتلر ومع موسليني. لذلك نقول ان الانتخابات، وفوق كونها ضرورة، فهي نتاج لوفاق سياسي تونسي يتحرك داخل شرط موضوعي اسمه الوقت والحالة الأمنية والمناخ الانتخابي والبيئة الانتخابية. وحينما لا تتوفر الشروط الموضوعية لهذا التاريخ، يصبح بالامكان الاتفاق على موعد أنسب لاجراء الانتخابات وأنا بادرت منذ شهر فيفري وفي جريدة «الشروق» بالقول إن يوم الاحد 25 سبتمبر هو اليوم الأنسب لاجراء انتخابات المجلس التأسيسي وكنت أفكر وقتها من منطلق ما يراه خبراء الانتخابات في العالم من أنها تستلزم 22 أسبوعا كحد أدنى من يوم صدور القانون الانتخابي الى يوم الاقتراع. فلو تم الاتفاق سياسيا وعلى مستوى أفقي على تغيير قواعد الاشتباك السياسي بين الحكومة الانتقالية والاحزاب بأن يتجه الجميع نحو التهدئة بحيث لا تكون هناك اضرابات ولا مظاهرات يتخللها الحرق والتكسير ولا عنف من طرف الأجهزة الأمنية، فإن التأخير سيكون منفعة محضة ولن نخسر شيئا مع أني أتفهم إلحاح البعض على اجراء الانتخابات في موعدها للخروج من مأزق الشرعية في ظل الفوضى واقتراب الوضع الاقتصادي من الكارثة. ما رأيك في ما ينسب الى بقايا التجمع بمناسبة الانفلاتات الأمنية؟ أولا، موضوع التجمع عولج معالجة خاطئة لأن الانتقال الديمقراطي فترة على غاية من الحساسية وكان من المتجه الأخذ بعين الاعتبار أننا كلما وسعنا من جبهة الأعداء كلما انزلقت الثورة نحو المجهول... اذ كان يفترض ان تأخذ الطبقة السياسية الجديدة بعين الاعتبار مفاهيم العدالة الجنائية الى جانب العدالة الانتقالية وذلك بمحاسبة من أجرم ومن أفسد ومن استبد أمام قضاء عادل، مستقل ومحايد، على أن يعتمد التمشي سرعة الفصل مع توفير الضمانات لطمأنة الشعب أولا وحفظ كرامة المتهم في ذات الوقت وفي ما تبقى، فإن آليات العدالة الانتقالية كفيلة بأن تجعل من أخطأ من التجمعيين يحس بالندم على المساهمة في نظام استبدادي ويتم بناء على ذلك اعادة الادماج والتأهيل لمرحلة البناء الديمقراطي القادمة. أما وأن لغة الاجتثاث والاقصاء الجماعي كانت طاغية في المدة الماضية فقد كان متوقعا أن تثير حفيظة الكثير من التجمعيين والاحساس بالخطر، والانسان عندما يحس بأنه أصبح من باب فائض القيمة عن الحاجة الوطنية وقتها يمكن انتظار أي رد فعل سلبي منه... فمن منظور المصلحة الوطنية، كان لابد أن نأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل المذكورة والاحتياط من آثارها السلبية وهذا يقابله تقصير من الحكومة الانتقالية التي بقيت تراوح في معالجة ملف التجمع واعتقدت أن حل الحزب هو نهاية المطاف رغم أن رواتب الكتاب العامين للجان التنسيق التي تدفع من الوزارات ستستمر الى شهر سبتمبر 2011 مع احتفاظهم بالسيارات الادارية. وهو ما اضطر بعض لجان حماية الثورة في بعض المناطق الى افتكاك هذه السيارات من أصحابها وتسليمها الى الجيش. وان سلوكا من هذا القبيل يمكن أن يوسع من مساحة الشك في مجمل عمل الحكومة والريبة من كل قرار تتخذه. تصريحات الوزير الأول الباجي قائد السبسي يوم الأحد الماضي، هل كانت بنظركم في مستوى الانتظارات؟ رغم أن المثل الشعبي يقول «المتفرج فارس» من منطلق أن الرجل عليه أعباء يومية لا يحسد عليها، فإني أرى أن تصريحات قائد السبسي للصحفيين كانت أقل بكثير من الأسئلة المطروحة في الشارع، أنا كنت أتوقع أن ينفض الغبار نهائيا عن كل الأسئلة الحارقة بخصوص المستقبل كأن يجيب بدقة مثلا عن السؤال الذي طرحناه مطلع هذا الحوار «وين ماشين» وبلغة غير التي استعملها كان بامكانه مثلا أن يقول حول كلام الراجحي انه «غير صحيح» أو «لا أعتقد» لا أن يقول له «تكذب»... ثم اني لاحظت بعض التناقض في قوله إن فرحات الراجحي لم يسم الولاة، ثم عاد ليقول ان الولاة الذين سماهم (الراجحي) أثاروا اشكالات ثم أنه استعمل حجة أخرى بقوله ان الراجحي عزل كل المعتمدين دفعة واحدة، وكان بامكانه أن يشير الى أن هؤلاء كانوا ركيزة الفساد الأساسية... فالبعض منهم كان يستخلص رواتب حضائر باسم أموات كما حدث مع معتمد المظيلة الذي استمر في استخلاص رواتب 17 ميتا (من بينهم قريبي) الى حدود جانفي 2011، والذي تمت نقلته (المعتمد) الى قصور الساف فأقاله الراجحي... ومعتمد أم العرائس الذي تجاوز عدد موتاه الذين يقبضون رواتب المائة... فهؤلاء كان يجب أن يحاكموا ويدخلوا السجن بدل أن يلام فرحات الراجحي.