أثارت التصريحات التي أدلى بها مؤخرا على قناة نسمة أحد أعوان الحراسة الشخصية للرئيس السابق بن علي ردود فعل مختلفة لدى التونسيين خاصة على موقع «فايس بوك» تراوحت بين التفاعل الايجابي مع ما ذكره صاحب التصريح وبين التشكيك في مصداقية كلامه. وفي هذا الاطار اتّصل بنا السيد النوري بوشعالة الرئيس السابق للادارة الفرعية للحماية الخصوصية بإدارة حماية الشخصيات والمنشآت وهي متفرّعة عن الادارة العامة لوحدات التدخل، ليقدم بعض التوضيحات. وقد تركّز الحديث معه حول عملية اغتيال 3 من القادة الفلسطينيين الذين كانوا مقيمين بتونس في الثمانينات والتسعينات وهم صلاح خلف (أبو إياد) وهائل عبد الحميد (أبو الهول) وفخري العمري (أبو محمد) وذلك ليلة 14 جانفي 1991، وقد تمّت العملية بمنزل أبو الهول بضاحية قرطاج حنبعل على يدي أحد حرّاسه الشخصيين المدعو حمزة أبو زيد (وهو فلسطيني الجنسية) وذلك عبر اطلاق الرصاص . وكان المتحدث في التسجيل التلفزي المذكور قد ذكر أنه هو من تولى إيقاف القاتل حيّا بعد تبادل اطلاق النار معه، ثم قام بتحرير الرهائن المحتجزين آنذاك في المنزل (زوجة أبو الهول وابنته والخادمة بعد تحصّنهن بالفرار الى الطابق الاول للفيلا اثر عملية الاغتيال). وأضاف أنه سلّم القاتل حيّا الى الأمن وكل ذلك أمام ذهول الفرق الامنية الحاضرة هناك. اعجاب قال صاحب التصريح التلفزي إنه إثر ذلك، طلب منه مدير الأمن الرئاسي، بتعليمات من بن علي، التخلّص من القاتل بالرصاص وابتكار رواية مفادها أنه (القاتل) حاول الهروب فأصابته رصاصة طائشة من سلاحه... وأكّد أن بن علي فكّر آنذاك في التخلص نهائيا من القاتل حتى يموت معه سرّ اقدامه على عملية الاغتيال (باعتبار أن عملية الاغتيال قد تكون لها علاقة بالموساد الاسرائيلي وهو ما لا يريده بن علي أن يظهر). وكان صاحب التصريح التلفزي قد ذكر أنه رفض قتل القائم بعملية الاغتيال وسلّمه حيّا للمصالح الامنية المختصة. وأضاف أن ما قام به (ايقاف القائم بالاغتيال حيا دون اطلاق رصاص) قوبل باعجاب بن علي ومدير أمنه الرئاسي فكلّفوه بمهام اخرى من الوزن الثقيل... اغتيال هذه الواقعة (اغتيال الفلسطينيين الثلاثة) واكبها السيد النوري بوشعالة عن قرب بحكم المهنة الحساسة المكلّف بها، حيث كان آنذاك مكلّفا (الى جانب فريق عمله) بحماية الفلسطينيين المقيمين بتونس حماية مقرّات سكنهم ومصالحهم وعائلاتهم، وهي الحماية التي تضاعفت خاصة بعد عمليتي قصف حمام الشط (أكتوبر 1985) واغتيال أبو جهاد (أفريل 1988). في تلك الليلة (4 جانفي 1991) كان محدّثنا (بوشعالة) يقوم في اطار عمله بدوريات تفقّد وتحسيس لكامل الفرق العاملة معه بعدّة مناطق حراسة (أمام مقرّات اقامة الفلسطينيين بالعاصمة (المنازه والمنارات وميتوال فيل) وعندما كان في طريقه الى الضاحية الشمالية علم عبر الجهاز اللاسلكي للسيارة أن أبو الهول أصيب بمنزله بضاحية قرطاج حنبعل فتحوّل الى هناك على جناح السرعة بما أن الأمر يهمّه بشكل مباشر. واكتشف ما حصل بالضبط حيث علم أن أبو إياد وأبو محمد استشهدا على عين المكان في حين نقل أبو الهول الى احدى المصحات حيث استشهد هناك. وقال المتحدث إن الفلسطينيين الحاضرين آنذاك بموقع الحادثة (المرافقين والمكلفين بالحماية الشخصية) كانوا في حالة تأهّب وانفعال حاملين أسلحتهم تحسبا لكل التطوّرات. فبادر السيد بوشعالة باقناعهم بأن يسلّموه أسلحتهم تفاديا لحصول تطوّرات سلبية أخرى فتجاوبوا معه على حد قوله وتولى حفظ كل الأسلحة في سيارته ولم يبق الا على سلاح المرافق الشخصي لأبو الهول. ثم أعلم وزير الداخلية في قاعة العمليات (عبد الحميد الشيخ) بما حصل وأعلمه بأن القاتل المتحصن في الطابق الاول للفيلا احتجز 3 رهائن وهم زوجة أبو الهول وابنته والخادمة ويرغب في التحادث الى مسؤول أمني «كبير». وقد حل آنذاك بالمكان عدد من المسؤولين الأمنيين منهم المدير العام للأمن العمومي والمدير العام لوحدات التدخل اللذين أشرفا مباشرة على النظر في كيفية القبض على القاتل حيا وتحرير الرهائن، وتدارسوا عدّة سيناريوهات للتدخل بالتنسيق مع وزير الداخلية وفي الأثناء يقول النوري بوشعالة بدأ القاتل يهدأ نسبيا، وقد طلب أن يقدّم له الاكل بعد أن شعر بالجوع وهو لا يزال بالطابق الاول يحتجز رهائنه... ويضيف محدّثنا أنه مرّت حوالي ساعتين والجميع في تلك الوضعية على أهبة التدخل... غير أن القاتل، حسب السيد بوشعالة وبعد ان نفد سلاحه من الذخيرة خيّر تسليم نفسه تلقائيا للفرق الامنية الموجودة هناك دون حصول أية مصادمات أو اطلاق نار من أي كان. حيث تمت العملية في كنف الهدوء التام والفضل يعود للقاتل الذي سلّم نفسه تلقائيا دون أن تحصل أيّة مواجهة. ويقول النوري بوشعالة «صاحب التصريح التلفزي لم يكن موجودا آنذاك أصلا بموقع العملية ولم يشارك لا من بعيد ولا من قريب في إلقاء القبض على القاتل لأنه بكل بساطة لم تشهد العملية مشاركة الأمن الرئاسي بالمرّة ما عدا قدوم مدير الأمن الرئاسي الى هناك (بما أن الواقعة كانت قريبة من قصر قرطاج) وقدّم مساعدة تتمثل في سترات واقية من الرصاص للاستعانة بها في صورة التدخل للقبض على القاتل... وإني أستغرب من أين جاء بهذه الرواية التي أنكرها كل المسؤولين الأمنيين الحاضرين آنذاك بعد استماعهم للتسجيل التلفزي بمن فيهم المسؤولين الذين وردت أسماؤهم في التصريح التلفزي والذين كان بالامكان ان يكذبوا كل ما ورد في التسجيل، كما أن الأسلحة التي ذكرها في تصريحه لا يوجد مثيل لها في قصر قرطاج ما عدا نوع واحد...».