تزامنا مع الثورة المباركة التي شهدتها بلادنا في الايام الفارطة عرفت عدة سجون محاولات تمرد كبيرة حيث خطط عدد من المساجين لاستغلال الاوضاع والهروب وقد تناقلت عديد المصادر اخبار تتحدث عن سقوط عديد القتلى في صفوف المساجين الى جانب حصول اصابات لدى آخرين. ومن بين السجون التي شهدت محاولة تمرد وصفت بالكبيرة سجن برج الرومي ببنزرت ومع رؤية اعمدة الدخان تتصاعد منه يوميا وسمع طلقات النيران داخله كانت الاخبار تتحدث عن ضحايا بالمئات. في المقابل هناك الوجه الاخر لحقيقة ماحدث لم يخرج من وراء أسوار هذا السجن الذي زارته «الشروق» صبيحة السبت للاطلاع مباشرة ودون عوائق على ما دار طيلة 8 أيام. كيف انطلقت الشرارة الاولى؟ كان ذلك قبيل سقوط النظام البائد ببضع ساعات حين علم المساجين بالاحداث التي تجري في مختلف ربوع البلاد احداث رأى عدد منهم فيها فرصة سانحة لمغادرة السجن والهروب منه خاصة اولئك المحكومون بمدد طويلة فشرعوا في تحريك زملائهم ودفعهم للمشاركة في عملية العصيان بشتى الطرق بالاقناع وبالتهديد واول ماقاموا به هو اضرام النيران في عدد من اجنحة السجن نيران اتت على غرف بأكملها تمكنوا من الوصول اليها بعد احداث ثقب في جدران الغرف بواسطة الات اطفاء الحرائق. دمار وخراب كبيران ما شاهدناه بأعيننا هو الدمار الكبير الذي لحق بعدد من منشآت السجن حين تهدمت غرف داخله وتم احراق المصحة والصيدلية وعيادة طبيب الاسنان بكامل تجهيزاتها حتى برج المراقبة اضرمت بداخله النيران الامر الذي كان يهدد بحصول كارثة كبرى لولا تدخل الجيش الوطني في الوقت المناسب وبالتنسيق مع أعوان سجن الناظور القريب الذي لم يشهد تحركات مماثلة تضافرت الجهود وتمت السيطرة على الاوضاع بعد اكثر من اسبوع. حرب عصابات كل من التقيناهم وتحدثنا معهم سواء من اعوان او مساجين الا واتفقوا على وصف ما عاشوه بحرب عصابات لا يمكن ان تمحى من ذاكرتهم ابدا حرب حدث فيها ما لا يمكن تصوره فهناك من اصيب في وجهه وهناك من وقع الاعتداء عليه وهناك من وقع اغتصابه بلغة اخرى عاش سجن برج الرومي أياما تحت قانون الغاب ومن الطاف الله ان كان تدخل الجيش في الوقت المناسب لايقاف سيناريو كان يمكن ان يدخل مدينة بنزرت في فوضى عارمة لو تمكن عدد من المساجين من الفرار في ايام كانت شوارع المدينة فيها خالية من اعوان الامن ناهيك ان عددا من المساجين استولوا على مخزون السجن من الاقراص المخدرة و استهلكوه بكميات كبيرة مما جعل بعضهم يدخل في حالة هستيريا وهيجان متواصل. سلاح المنجنيق من بين الاسلحة التي لجأ اليها المساجين الذين قادوا التمرد هو المنجنيق الذي ابتكروه بوسائلهم الخاصة والمتمثل في صنع كرة من الاقمشة ووضع حجر داخلها ثم يضرمون فيها النار ويلقونها سواء على الاعوان وافراد الجيش او على البيوت التي لم تشاركهم في التمرد الى جانب الاسلحة البيضاء. حماية كبار السن والمرضى في أول اجراء وقائي حرصت ادارة السجن على حماية المساجين كبار السن والمرضى وعدد من صغار السن وتجميعهم في اماكن امنة وقد تحدثنا لعدد منهم واكدوا لنا انهم عاشوا كابوسا رهيبا وقد كتبت لهم اعمار جديدة بل هناك من انهار منهم امامنا ولم يستطع مواصلة الحديث معنا بل رفض حتى تذكر ما حدث له. اصابات في الجزء الاسفل في احدى غرف السجن كان لنا لقاء مع عدد من الجرحى الذين اصيبوا بالرصاص وكانت اصاباتهم كلها في الجزء الاسفل من الجسم واجريت عليهم عمليات جراحية بالمستشفى الجهوي ببنزرت 11 قتيلا و55 جريحا لئن تحدثت بعض المصادر عن عدد كبير من القتلى فانه علمنا ان الحصيلة النهائية كانت 11 قتيلا بالرصاص وحالة وفات من شجار بين سجينين و55 اصيبوا اصابات مختلفة. احد الضباط قال لنا حرفيا ان تنتهي محاولة التمرد بهذه الحصيلة يعني كسبا للحرب ناهيك ان العدد الجملي للمساجين هو 3000 وعن استعمال الرصاص فانه حسب محدثنا كان امرا لا مفر منه امام حالة العصيان الكبيرة اذ لم يكن من الممكن التسامح والا لوقعت الكارثة والتي تتمثل حسب محدثنا في هروب المساجين ودخولهم لمدينة كانت خالية من الامن وعندها كانت تكون الكارثة لكن من الطاف الله تمت السيطرة على الوضع الذي تطلب تدخل عدة اطراف سواء من وحدات الجيش او ضباط واعوان سجن الناظور للسيطرة عليه بعض الجنود المكلفون بالحراسة لم يغادروا مواقعهم طوال 8 ايام وحتى مكتب المدير تحول إلى قاعة عمليات نهارا وغرفة نوم لسويعات قليلة في الليل. نقص في التموين الدمار الذي لحق بمخزن السجن وعملية النهب التي وقعت للمشرب اثرت بشكل كبير على المساجين الذين بقي عدد منهم لايام دون اكل ويجري حاليا اعادة تنظيم هذه العملية. اطلاق سراح 270 سجينا من جهة اخرى علمت «الشروق» ان عدد المساجين الذين تم اطلاق سراحهم إلى حد الآن بلغ 270 وما زال هذا العدد مرشحا للارتفاع في الايام القادمة. مراجعة قانون العفو عدد من المساجين الذين التقيناهم والذين لم يشملهم العفو العام كانوا مستبشرين بالثورة التي وقعت في تونس وتمنوا لو كانوا احرارا وشاركوا فيها طلبوا منا ان نبلغ مطالبهم المتمثلة في مراجعة قانون العفو والحط من العقوبات ومراجعة بعض الاحكام.