سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مذكرات سياسي في «الشروق»: الأستاذ أحمد بن صالح وأسرار وخفايا تكشف لأول مرة (206): من جلسة قرطاج الى اللجنة المركزية وتعميم التعاضد: هكذا قدّت خيوط الأزمة..
حوار وإعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي كل المؤشرات التي بدأ يستقرئها الأستاذ أحمد بن صالح، بعد مرض بورقيبة (إصابته بنوبة قلبية حادة سنة 1967) تشير الى أن «الأجواء بدأت تتلبّد... وأن الحيوية والإقبال على تنفيذ مشروع التنمية الشاملة وفق مخطط واضح المعالم، ساهم فيه آلاف التونسيين، وأنجزت مراحله مئات الكفاءات بدأت تخفت ليعوّضها» تكالب على الحكم أو الوراثة... فمن اللجنة المركزية وجلسة قرطاج الى خطاب سوسة، بدأ «سي أحمد» بن صالح يتفطّن الى أن في الأمر سرّا.. رأينا في الحلقة الماضية، كيف تصرّف صاحب المذكرات عندما ألقى خطابا في سوسة بطلب من عبد المجيد رزق الله الكاتب العام للجنة التنسيق» حيث تحدّث فيه «سي أحمد» بطريقة افتراضية حيث كان يتكلّم سنة 1968، بعد أشغال اللجنة المركزية للحزب، التي أقرّت تعميم التعاضد حسب طلب بورقيبة الذي أعلن للمشاركين انه لا يوافق أحمد بن صالح في سياسة التدرّج في تركيز التعاضديات الفلاحية، كان الوزير ضيف لجنة التنسيق يتحدث وكأنه يفتتح سنة دراسية بعد أربع سنوات، اذ يعود مدرّسا في معهد سوسة من أين انطلق.. ولما لم يصدر شيء عن هذه المحاضرة الملفتة، هاتفه بورقيبة وطلب منه ان لا يقلق «فالرئيس هو الذي أمر بأن لا يبثّ الخطاب ولا يصدر عنه اي تقرير في الصحافة» قائلا: (اي بورقيبة): «موش وقته يا سي أحمد»..! سألت «سي أحمد» عن المخطط الرباعي الثاني، وكيف وقع إقرار اللجنة المركزية لمبدإ التعميم حسب طلب بورقيبة، وهل ان النقاش والمداولة حول الموضوع تمّا في المؤسسة التشريعية؟ قال: «كان المخطط الرباعي الثاني على أهبة ان يقع اقراره، لأنه وبعد اللجنة المركزية كانت في الحقيقة مقدمة، لكن النقاش الحقيقي تم في البرلمان».. وهنا كشف «سي أحمد» بن صالح موقفا آخر اتخذه على إثر اعلان بورقيبة تعميم التعاضد في المدة المتبقية لسنة 1968 اي سبعة أشهر، حيث قال: «قلت لك إنني، وبعد ان قال بورقيبة انه لا يوافقني الرأي واستوقف المشاركين في أشغال اللجنة المركزية بأن أشار عليهم ان لا ينهضوا الى الغداء حتى يقول كلمته... إذن، لم أتكلّم بعد تدخل بورقيبة كما أنني لم أحضر ولم أشارك في تحرير اللائحة..». قلت له: ولماذا؟ قال: «لم يكن هذا هو الرأي السديد حسب اعتقادي.. نحن المسؤولون عن المخطط وحدثت عديد اللقاءات... كانت اللقاءات للنقاش والاقتراح، متعددة، وشارك في إعداد المخطط وتحريره، مئات الكفاءات... فأنا لم أكن موافقا بالطبع... ربما، هذا الجو الذي استجد في اللجنة المركزية إضافة الى جلسة قرطاج وما طفا منها على السطح من ان هناك محاولة لاغتيالي، لأن الرئيس يعتبر ان بن صالح هو بن يوسف ثان، أضيفي الى ذلك ان الذين دبّروا هذا السيناريو لم يحاكموا عبر جهاز قضائي.. إذن، كل هذا ربما جعلني أتكلّم في سوسة، عن عودة بن صالح الافتراضية الى التعليم... فهذه الأجواء التي فيها تكالب ومناوأة، لا أستطيع مواصلة التعاطي معها». بدا صاحب المذكرات وهو يسترجع كل هذه الأحداث، متهكّما على بعض من سخريات القدر، ليواصل حديثه بعد أن سألته عن مجلس النواب، وهل أنه أدلى برأيه حول المخطط الرباعي الثاني، وقد تحوّل القرار (المشروع) قيد الدرس والمداولة، من مخطط لتركيز التعاضد في تدرّج الى تعميم للتعاضد وفي ظرف قياسي وملفت: سبعة أشهر؟ هنا، عاود صاحب المذكرات، الرجوع الى الأحداث، التي يرى فيها بعد 1967 أحداثا متسارعة باتجاه الأزمة: «في مجلس النواب لا أذكر ان النقاش كانت له أهمية.. لأن نفس الفكرة لم تدرس.. كما لم تعط فيما بعد أهمية كبرى لكلمة الرئيس: التعميم... المهم بالنسبة للجماعة المتربصة بالمشروع، مشروع التنمية الشاملة وتركيز التعاضد، وجدوا لأنفسهم تعلّة لكي يتحرّكوا باتجاه الناس... فقد أدخلوا الفلاحين والمالكين لحيوانات مثل الأبقار والأغنام، في دوّامة البيع العشوائي لممتلكاتهم وثرواتهم الحيوانية... وقد ذكرت لك، كيف ان أحد المعتمدين في الكاف (معتمد) بعث ببرقيتين واحدة للرئيس وأخرى لي، يعلمه فيها بأنه توصّل منذ اللجنة المركزية والى حدود بعض الأسابيع (أي وقت قصير جدا) توصّل الى تكوين خمسين (50) تعاضدية... كنت أرى ان الأجواء في جلسة قرطاج وما وقع كشفه، من ذهاب تونسيين (موفودون) الى فرنسا لجلب وثائق وأدبيات الاقتصاد الليبرالي لمقاومة السياسة التنموية التونسية، كنت أراها أجواء غير مشجّعة.. فحسب اعتقادهم، إذا كان الوضع ينادي الى المقاومة (مقاومة المشروع) فلنجعله كذلك عبر التعميم السريع والملفت، وإفقار الناس، وجعلهم يفرّطون في حيواناتهم بأبخس الأثمان، وهذا طبعا بدون ان تتحرّك الجهات المسؤولة عن البلاد».. وكان «سي أحمد» يقصد وزارة الداخلية، لأنه يعيد القول بنفس المناسبة، ان ليس هناك وزير اقتصاد، هو من يرعى تطبيق البرنامج التنموي... فإلى حلقة قادمة إن شاء الله...