حوار وإعداد فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي عندما همّ صاحب المذكرات بالخروج من قاعة المجلس الوطني للاتحاد العام التونسي للشغل، وقد كان قدّم استقالته من كل عمل نقابي، بعد أن نحّاه مكتب تنفيذي، بدون علمه من الكتابة العامة، وجد «سي أحمد» أحد النقابيين ينتظره متخفيا وراء الباب، حيث قال له: يا أحمد، منّعتنا، فسأل الأستاذ أحمد بن صالح محدثه عن مقصده، وماذا يعني بسؤاله، فردّ عليه محمد الحبيب كما يورد ذلك، صاحب المذكرات: «ردّ عليّ محمد الحبيب وكان شخصية دستورية قوية (أي ينتمي إلى الحزب الحر الدستوري) فقال: بالأمس، أعلموني بأنهم عيّنوني عضوا في المحكمة الشعبية، التي كانت ستُنصب لك...! فقد كان لدى محمد الحبيب، تقدير خاص لي... وبقيت طبعا في خطتي كنائب أول لرئيس المجلس التأسيسي، وكان بورقيبة طبعا، هو رئيس الحكومة... وسوف نأتي في حلقة لاحقة، على كيف أصبح بورقيبة من رئيس المجلس التأسيسي إلى رئيس للحكومة، وذلك بعد اتفاقيات الاستقلال ليوم 20 مارس 1956.. وكنت في المجلس التأسيسي، وقد ذكرت ذلك آنفا، رئيسا للجنة المشرفة على بقية لجان تحريرالدستور...» وهنا يواصل «سي أحمد» كشف تفاصيل ومعطيات لم تأخذ حظها بين سطور تاريخ الاتحاد والاستقلال، والحركة الوطنية بصفة عامة: «بعد خروجي من الاتحاد العام التونسي للشغل، جاءني كل من الطيب المهيري ومصطفى الفيلالي وعبد الله فرحات والحبيب طليبة، وقد اجتمعنا على طاولة غداء... المهم، أن موضوع «اللمة» أن طلبوا منّي رأيي في تعييني من قبل بورقيبة على رأس سفارة تونسبألمانيا، وقالوا لي: الرئيس (أي رئيس الحكومة، الحبيب بورقيبة) يريد أن يبعثك سفيرا لدى ألمانيا، ورجاء لا ترفض... فقلت لهم بل أرفض... ليس لي باع في الديبلوماسية، ورفضت رغم انزعاجهم من موقفي... وقلت لهم: لماذا أخرج إلى سفارة،والحال أن عندي مسؤولية في المجلس التأسيسي أقوم بها؟... ومن الصدف، وقتها أي بعد ذاك اللقاء على الغداء معهم، كانت عندي دعوة من سفارة بريطانيا بتونس، لحفل استقبال بمناسبة عيد ميلاد الملكة... وجدت جماعة الحزب والاتحاد كذلك، فجاء بورقيبة إلى الحفل، فقلت له: دقيقة من فضلك... قلت له إن الجماعة... طليبة والفيلالي والمهيري وفرحات، طلبوا منّي أن أوافق على تعيين لي في سفارة تونسبألمانيا... وقلت له: «أنا متاع هذا؟» أي هل أنا ديبلوماسي حتّى تعيّنني على رأس سفارتنا بألمانيا؟ فرد بورقيبة: «إذا أنت غير موافق.. فلا بأس».. كان الجو فيه ما يكفي من الغموض، حتى تقع أشياء من هذا القبيل».. سألت «سي أحمد» عن مقصده، وقد بدا تعليقه أشد غموضا من الأشياء الغامضة التي أشار إليها فقال: «كانت الثورة الجزائرية في تلك الفترة، على أشدها فقد دخلت مسارا حاسما... ومن ضمن بعض التخمينات التي ظهرت أو وجدت لها مكانا من بعد، وربما كانت صحيحة أن الهدف من التعيين قد يكون إبعادي... إلى ألمانيا..» لكن هل ابتعد «سي أحمد» عن الحياة النقابية فعلا، وقد أصبح مستقيلا من كل نشاط نقابي في تونس، وهو الذي له مقام عند أعضاء الكنفدرالية الدولية للعمال (السيزل CISL)؟ يقول «سي أحمد» بن صالح، وقد كان ضمن موقعه، على رأس الاتحاد العام التونسي للشغل، عضوا بالمكتب التنفيذي ل«السيزل» وكان من ضمن النقابيين الذين هيّؤوا لمؤتمر السيزل بتونس، ولكن بما أنه تقرّر ذلك، قبل أن «يُقال» بن صالح من على رأس الاتحاد العام التونسي للشغل، فقد عمد المسؤولون في الكفندرالية الدولية، إلى أن يكون «سي أحمد» بن صالح، هو الناطق الرسمي باسم المؤتمر في تونس.. ولكن في هذه القصة بالذات، تفاصيل تنشر لأول مرة، فإلى حلقات قادمة...