تُحيي تونس اليوم الأربعاء الذكرى السادسة لاغتيال الشهيد شكري بلعيد، وأعدّت أحزاب يسارية العدّة لهذه المناسبة عبر بيانات استباقية وندوات صحفية لاستحضار برنامج الذكرى السادسة للاغتيال بلعيد والّذي ستتخلله وقفات رمزية أمام منزل الشهيد وأمام ضريحه وأمام مقر وزارة الداخلية للمطالبة بالكشف عن حقيقة الاغتيالات. ولم يُفوّت حزب الوطنيين الديمقراطيين الفرصة لتجديد اتهام النيابة العمومية بالخضوع لحركة النهضة، حيث أكد الحزب في بيان نشره أمس الثلاثاء “استمرار تواطؤ بعض أجهزة الدولة مع الجناة وعملها بشتى الطرق لسد كل المنافذ أمام كشف الحقيقة كاملة وخاصة جهاز النيابة العمومية الذي لازال خاضعا لأوامر وتعليمات السلطة التنفيذية التابعة لحركة النهضة”، حسب ما جاء في نصّ البيان الذي يوحي بأن النهضة أحد شركاء الجريمة. وتُصمّم أحزاب الجبهة الشعبية في كلّ بيانتها الأخيرة على التشكيك في حياد السلطة التنفيذية عبر تسليط ضغوطات عليها وهرسلتها في الوسائل الإعلامية، ما دفع بالنّيابة العمومية إلى التأكيد بأنها تتعامل مع الملفات في إطار قانوني ولا تتستر على أي جهة. وقال الناطق باسم النيابة العمومية سفيان السليطي في تصريحات سابقة، إنه “سيتم وضع النقاط على الحروف قريبا فيما وصفه مسلسل التشكيك في النيابة العمومية وتعاملها مع ملفي بلعيد والبراهمي وما يسمى بالجهاز السري لحركة النّهضة”. ويرى مراقبون أنّ هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي والتي ينتمي أعضاؤها للجبهة الشعبية تمادتْ في الإساءة لمؤسسات الدولة خاصّة منها السلطة القضائيّة بعد حملة على وزارة الداخلية وإطاراتها والتهديد بمقاضاة الوزير هشام الفراتي، فقد تعمّدت في كل ندوة صحفية أن تمسّ وتضرب استقلاليّة القضاء التونسي. كما تجرّأت على ذكر قضاة بالأسماء الشيء الذي يمكن أن يهدّد سلامتهم. وكانت نقابة القضاة التونسيين قد أدانت ما قالت إنها “تصريحات مشككة في استقلال القضاء الوطني ونزاهته وقدرته على كشف الحقيقة في جريمة اغتيال أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد شكري بلعيد”. واعتبرت النقابة في بيان سابق لها أن تلك التصريحات “تندرج في خانة المزايدات والتصرفات المشبوهة وغير المسؤولة التي من شأنها إثارة الفتنة”. وكانت وزارة العدل قد أجرت عملية تدقيق في أعمال قاضي التحقيق المتعهد بقضيتي الشهيدين، ولم يكشف تقرير اللجنة عن إخلالات. وبعد استمرار الضغوط عهد الملف إلى قاضي تحقيق آخر، فيما تمت ترقية القاضي المرفوض من الجبهة الشعبية إلى منصب وكيل الجمهورية. وتسارعت في الأشهر الأخيرة مُحاولات محاصرة حركة النهضة وتوريطها في ملفات مالية وأمنية وقانونية وسياسية، باستخدام القضاء، في مسعى واضح لإرباك الحركة وتكثيف الضغوط عليها بكلّ السبل قبل انتخابات 2019. وكان رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وصف، في ذكرى الاحتفال بالثورة، هذه الاتهامات بأنها سياسية ومحاكمات تلفزيونية وابتزاز للقضاء. وأكّد أنّ القضاء سيثبت أنه لا أساس لهذه الاتهامات، محذّراً من أن محاولة إقصاء النهضة عن الانتخابات المقبلة قد تضرّ بالصورة الديمقراطية لتونس. وفي مناسبات عديد أثبت القضاء التونسي استقلاليته وشجاعته في اتخاذ القرارات وتحدّي الضغوطات، منها إبطال إجراءات حكومية ومحاكمة وزراء، وكان أبرز القرارات القضائية ما صدر مؤخرا من حكم بإبطال الدعوى التي رفعها رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ضد الناشط عماد دغيج، في الطورين الابتدائي والاستئنافي، في سابقة قلّ أن نشهدها، عدى في بعض الدول الديمقراطية الغربية. وبسعي الجبهة الشعبية للطعن في أعمال القضاء وتعطيلها وضرب ثقة المواطنين به، يتعطل الوصول إلى الحقيقة بل يقع ترذيلها بتوجيه الرأي العام إلى غير مصدرها الموثوق والمؤهل للفصل والنطق بها