ثلاثة أيام قضيتها في العاصمة البوركينية واڤادوڤو، كانت مفيدة بالنسبة لي للتأمل والتفكير الهادئ في وضعنا العام بعيدا عن صخب العاصمة وهذيان الفايسبوك. إصدار دائرة الاتهام بطاقة إيداع بالسجن ضد نبيل القروي كان في تقديري خطأ فظيعا بل وجريمة في حق الوطن لا يجب أن تمر دون تحقيق وحساب. ومازلنا ننتظر من تفقدية وزارة العدل موافاتنا بنتائج بحثها حول هذا الموضوع، مثلما سبق التعهد به. وأمام الدائرة فرصة عند نظرها مجددا في الملف، لإصلاح خطئها السابق والإفراج عن نبيل القروي لإخراج البلاد من المأزق الذي أوقعتها فيه. وخلافا لما يعتقده الكثيرون، فالتفاهم بين النهضة ونبيل القروي قائم رغم التصريح بخلافه… فالنهضة التي تطمح لترؤس مجلس نواب الشعب، تبحث عن حليف قوي في المجلس تتقاسم معه السلطة. وبعد تحطم النداء وتراجع ورقة تحيا تونس، أصبح قلب تونس هو الحليف الأقرب لتقاسم الحكم معه. واستطلاعات الرأي ترجح حصوله على نصيب هام من المقاعد البرلمانية. النهضة التي تهمها مصلحتها قبل أي شيء، تتلاعب بالجميع وتتغذى من حقدهم الأعمى عليها وغبائهم. فهي تعلن تأييدها لقيس سعيّد لتضرب بذلك عصفورين بحجر واحد: أولا، تكسب الصف «الثوري» المساند له، ولا يعنيها نجاح سعيّد حيث لن تكسب من ذلك شيئا لأنه ليس له من يمثله في البرلمان، وفي نفس الوقت توقف النزيف الحاصل في صفوفها. ومن جهة ثانية تضمن صعود نبيل القروي لإدراكها بأن خصومها سيتصدون آليا لأي خيار تعبر عنه ويصوتون في الاتجاه المعاكس. وعندما يحذر زعيم النهضة من حصول صراع على السلطة إذا حصل قيس سعيّد على الرئاسة وجماعة نبيل القروي على أغلبية في البرلمان، فهو يقول للناخبين ضمنيا، لا تنتخبوا قيس سعيد حتى لا يحصل هذا الصراع. وذلك رغم توجيهه للتصويت لفائدة حركة النهضة. فهو يدرك كل الإدراك بأن النهضة لن يصوت لها سوى جيشها، وبالتالي فرسالته موجهة للجمهور غير النهضوي الذي أدخلوا في ذهنه أن قلب تونس سيكون أغلبيا في البرلمان، وبالتالي لا يجب التصويت لقيس سعيد لتجنب الصراع بين مؤسستي السيادة!! لا أخفيكم بأني أصبحت أستمتع بالتكتيك السياسي لحركة النهضة وهي تتلاعب بخصومها وتحطمهم الواحد تلو الآخر، معولة في ذلك على طمعهم وحمقهم!! إلاهي أعنّي عليهم، فإن القلب يكاد ينفطر ويحترق..