ترتفع القبضات في السماء. تصرخ الأفواه تصرخ عالياً. تشتعل العيون بنار الغضب. تستطيع أن تتبين من خلال الأظافر والملابس الملوّثة أنهم في الأغلب عمال مناجم. تستطيع أن تعرف من خلال صراخهم أنهم كانوا في مظاهرة للمطالبة بحقوقهم.. ولكنك لن تدرك أبداً أنك في تونس ما قبل الثورة. ففي العام 2008 عندما كان نظام بن علي يمارس طغيانه، انتفضت منطقة الحوض المنجمي في الرديف في ولاية قفصة التي تقع في الجنوب الغربي التونسي، للمطالبة بالتوزيع العادل للثروات وتخفيض البطالة وضمان حقوق العمال. فما كان من بوليس بن علي إلا قمع هذه الانتفاضة. خلّف ذلك سقوط ثلاثة شهداء وإصابة مئات الشباب، فضلا عن المحاكمات والاعتقالات. تذكّر هذه الحادثة بقضية "هايماركت" عام 1886 في الولاياتالمتحدة التي كانت أحد الأسباب الرئيسية ليصبح الأول من أيار يوماً عالمياً للحركة العمالية. تستعد تونس كغيرها للاحتفال بهذا اليوم. تونس التي تملك تاريخاً مشرفاً في الحراك النقابي، منذ تأسيس المناضل محمد علي الحامي "جامعة عموم العملة التونسية" سنة 1924، حتى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946 على يد الزعيم السياسي النقابي فرحات حشاد، وهو الاتحاد الذي ساهم بشكل كبير في النضال الاجتماعي والسياسي، كما أنه دافع عن الطبقة الكادحة منذ الاستعمار الفرنسي حتى اندلاع ثورة جانفي 2011. قبل يوم من هروب بن علي، يوم 13 جانفي 2011، نظّم الاتحاد العام التونسي للشغل مسيرة في مدينة صفاقس خرج فيها مئات الآلاف للمطالبة بإسقاط النظام. ومن الملاحظ في تونس حالياً انتشار كبير لظاهرة الإضرابات والاعتصامات في صفوف العمال، للمطالبة بتسوية أوضاعهم. وبسبب تأخر الحكومة في الاستجابة أضحى مشهد التجمعات العمالية في الإضرابات أمراً عاديا بالنسبة للمواطن التونسي. تمثل الطبقة الكادحة الأغلبية داخل المجتمع التونسي، ومن هنا تستمد المنظمات النقابية قوتها الشعبية للضغط على الحكومة دفاعاً عن حقوق العمال. فالعلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة الترويكا التي تقودها حركة النهضة الإسلامية في توتر كبير، لا سيما بعد الاعتداء على مقرّ الاتحاد في ساحة محمد علي في تونس العاصمة نهاية العام الماضي، من قبل "روابط حماية الثورة" التي يعتقد كثيرون أنها من أتباع حركة النهضة. يشارك اليوم العديد من المواطنين التونسيين في إحياء عيد العمال العالمي. ولكن في بلد يشكّل الشباب فيه شريحة واسعة، يصير الأول من أيار مناسبة للتذكير بالمشاكل التي تعاني منها البلاد بعد الثورة، وخاصةً البطالة. يقول أحد الشباب التونسيين: "هذا ليس يوم العمال.. هذا يوم العاطلين عن العمل". لقد تفاقمت البطالة لدى حاملي الشهادات العليا، لتصل نسبتها إلى نحو 16 في المئة. وقد أسس بعض الشباب "اتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل"، للدفاع عن حقوق هذه الفئة، وسيكون مشاركا في مسيرة عيد العمال اليوم، بالإضافة لأطياف شبابية أخرى. سيحتفل العالم بعيد العمال وستحتفل به تونس على طريقتها. فالمناسبة تأتي في أجواء سياسية مشحونة في تونس. فبعد قيام المجلس التأسيسي بتقديم مسودة لمشروع الدستور الجديد، هاجمت أطراف كثيرة، من بينها الاتحاد العام التونسي للشغل، هذا الدستور المقترح، واعتبروا أنه يحد من الحريات والحقوق، وخصوصا الحق النقابي، من خلال الفصل 33 الذي قيّد حق الإضراب. __________________________________________________ **رامي بن عمر صحفي تونسي مراسل جريدة السفير اللبنانية في تونس المقال نشر في السفير اللبنانية بتاريخ 30 افريل 2013