يحتفل العالم اليوم بعيد الشغل أو بعيد العمال الذي يصادف غرة ماي من كلّ سنة ولهذا اليوم رمزية تاريخية تعود إلى أواخر القرن 19 وبالأحرى إلى سنة 1886 لمّا قرّر عمّال مدينة شيكاغو الأمريكية الدخول في إضراب للمطالبة بتخفيض ساعات العمل اليومية إلى حدود 8 ساعات واستمر هذا الإضراب إلى غاية 4 ماي، في حين شهدت عدة مدن أخرى إضرابات ناهز عددها 5000 إضراب بدعوة من تنظيم «فرسان العمل» الذي تمّ بعثه سنة 1869 من طرف عمّال صناعة الملابس بفيلادلفيا الأمريكية. وقد تمّ فضّ إضراب شيكاغو بالقوّة من طرف الشرطة وسقط على إثره عدّة ضحايا نتيجة انفجار قنبلة وسط حشود العمّال، تبيّن لاحقا أنّ الشرطة هي التي ألقتها ولكن في الأثناء تمّت مقاضاة 7 من زعماء العمّال والحكم عليهم بالإعدام، نفّذ في 4 منهم شنقا بينما تمّ تخفيفه في حقّ اثنين آخرين في حين انتحر السابع. ولمّا تمّ اكتشاف المؤامرة بعد 11 سنة من الحادثة، وقعت إعادة المحاكمة وتبرئة العمّال ولكن بعد فوات الأوان وعزاء هؤلاء الأبرياء أنّ تضحيتهم لم تذهب سدى، إذ تقرّر اعتبار يوم الفاتح من شهر ماي عيدا للعمّال تخليدا لهذه الذكرى. وممّا يذكر أنّ احد العمّال، وقبل إعدامه، وجّه رسالة إلى ابنه الصغير يقول له فيها: «ولدي الصغير عندما تكبر وتصبح شابا وتحقّق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت.. ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أنّني بريء.. وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا لا أخاف الموت وعندما تكبر ستفخر بأبيك وتحكي قصّته لأصدقائك» وهو ما تمّ فعلا من طرف ابن هذا العامل الذي قام بنشر رسالة أبيه بعد أن ظهرت الحقيقة. وتختلف الاحتفالات بهذا اليوم من بلد إلى آخر، إذ هنالك من يضفي عليه الصبغة الرسمية ويجعل منه مناسبة لإطلاق مجموعة من القرارات لفائدة العمّال كالزيادة في الأجور وتحسين ظروف العمل والاحتفاء بالعمّال المثاليين وهنالك من يتّخذه كيوم للاحتجاج السياسي والاجتماعي للضغط على الحكومات بهدف تصحيح سياساتها والحصول على مكاسب هامة، كما أنّ البعض الآخر يستغلّه للتقويم والتفكير في تطوير آليات العمل والإنتاج واقتراح استراتيجيات جديدة لتحسين الإنتاجية والترفيع في الدخل.. ويأتي احتفال بلادنا بعيد الشغل هذه السنة بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر من السنة الفارطة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة حركة النهضة وفي ظرف تتميّز فيه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بنوع من الغموض والهشاشة نتيجة عدة تراكمات وبارتفاع كبير في نسبة البطالة واستفحالها في صفوف الشباب وبالتهاب الأسعار وتدهور القدرة الشرائية. وقد أدّت هذه الأوضاع إلى تباين كبير في التقويم بين الفرقاء السياسيين وكذلك بين الحكومة والنقابات العمالية وفي مقدّمتها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي عبّر في بيانه الأخير عن «حيرته حول مستقبل البلاد» واتهم الحكومة بعدم «توافق انجازاتها مع تطلّعات مختلف فئات الشعب وانتظاراته». وهذا الاختلاف في الرؤى والمواقف وهذا الانقسام حول متطلّبات المرحلة القادمة سواء داخل المجلس التأسيسي أو في الساحة السياسية أو بين الحكومة من جهة والأطراف الاجتماعية من جهة أخرى لا يساهم بأيّ حال من الأحوال في خلق التوافق المنشود في هذه المرحلة الدقيقة ويتمّ ذلك على حساب مصلحة تونس والتونسيين وفي مقدّمتهم العمّال الذين أصبحوا منقسمين بين ثلاث مركزيات نقابية تتنافس على استقطابهم وهو أمر إن يعتبره البعض ظاهرة صحية فإنّ البعض الآخر يرى فيه محاولة لتقسيم العمّال خاصّة وأنّ المنظّمتين الجديدتين أي اتحاد عمّال تونس والجامعة العامّة التونسية للشغل قد تأسّستا على أيدي مسؤولين سابقين في الاتّحاد صاحب التاريخ المجيد في النضال الوطني والاجتماعي والذي عرف في السابق انشقاقات في صفوفه أدّت إلى تكوين هيكل نقابي مواز «الاتحاد التونسي للشغل» في مرّة أولى سنة 1956 وفي مرّة ثانية سنة 1984 لمّا تمّ تأسيس الاتحاد الوطني التونسي للشغل ولكنّهما لم يعمّرا طويلا. وقد يحزّ في نفس العديد من السّاسة والنقابيين والعمّال أن تشهد تونس في هذا اليوم بالذات تنظيم مسيرتين متوازيتين الأولى من تنظيم الاتحاد العام التونسي للشغل والثانية من تتنظيم اتحاد عماّل تونس في ظرف يتطلّب توحيد الجهود والمبادرات لتعزيز المسيرة النضالية للعمّال بالفكر والسّاعد من أجل إقامة مجتمع العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرّية والعيش الكريم وهي قيم كانت دوما صلب سياسة الاتحاد العام التونسي للشغل وتوجهاته الاستراتيجية منذ تأسيسه على يد الشهيد فرحات حشاد.