ان كنتم ممن يركبون وسائل النقل العمومي فلن يكون موضوع الحديث غريبا عنكم ولا بد انه قد استوقفكم شخص يوما ما يحمل كنشا وطلب منكم المساهمة في بناء جامع وقال لكم بالحرف الواحد صدقة جارية. الظاهرة ليست جديدة وليست وليدة الثورة. للعلم ان الدكتاتورية السابقة لم تكن تمنع الصدقات الجارية التي لا نعرف الي اي حسابات جارية ذهبت ومن يطبع هذه الكنانيش ولما يبيعها هؤلاد ولا يبيعها آخرون. كما لا نعلم بعد الثورة مال هذه الوصولات والتبرعات. لا انكر للامانة اني ساهمت في بناء اكثر من جامع نظريا بشراء هذه الوصولات ولا اعلم حتى اين وصلت اعمال البناء او اذا كان الجامع قد بني فعلا ام توقفت الاشغال لعدم كثرة المساهمين. لكن كم من مرة خامرتني فكرة اخرى غريبة نوعا ما: ماذا لو اعترضنا شخص يحمل نفس كنش الوصولات ويطلب منا المساهمة في بناء .. مسرح.. او مدرسة او سنما او حتى ترميمها. هل كنا سنسحب من جيوبنا التي انهكها غلاء الاسعار تلك القطعة النقدية لنساهم في بناء مسرح نحن اصلا لا نعرف اين سيبنى ومتى هذل فضلا ان امل بعضنا في الذهاب لحضور عرض فيه يبقى ضئيلا جدا. قد نتساءل هل المساهمة في بناء مسرح صدقة جارية مثل الجامع تماماام لا؟ وهل سنتعامل مع الشخصين بنفس الايمان؟!. حتما ونحن نحاول الاجابة سيكون الشخص الذي طلب منا المساهمة في بناء مسرح قد مضى في طريقه. هل سيؤنبنا ضميرنا اننا لم نستغل الفرصة كما هو الامر عادة مع بائعي وصولات بناء الجوامع ؟ القضية نفسهاطرحت مؤخرا ولكن بصفة اكثر واقعية في حادثة مرت مرور الكرام في الفترة الاخيرة. تقول حيثياتها ان رجل مسرح يستغل مسرحا صغيرا بمنطقة المدينة العتيقة وكان المسرح ملاصقا لمسجد صغير. فوجي رجل المسرح في يوم من الايام أن ببعض رواد الجامع يحتلون مسرحه لالحاقه بالمسجد. قامت القيامة قبل وقتها بين الفريقين ووقع الاعتداء علي المسرحي واستنصر كل فريق بانصاره. الحادثة وان بدت عرضية بالمقارنة بالتجاذبات السياسية الكبري التي عرفتها بلادنا بعد الثورة بين الفرقاء السياسيين باختلاف تياراتهم تطرح اكثر سؤال حول اولوياتنا الثقافية والاجتماعية. هل نحتاج اليوم الى الجامع اكثر من حاجتنا الى المسرح او العكس؟ هل علينا ان نختار بين الذهاب الي الجامع والذهاب الى المسرح؟! الاكيد انه ولمدة ثلاثين سنة تحت الدكتاتورية عاش المسرح الصغير والمسجد الملاصق له في وئام رغم انه وئام يشوبه الكثير من الصمت. لكن الاكيد انه في الوقت الذي كانت فيه أصوات الائمة تدعوا للحاكم بالصلاح و الرشد وتجيب اصوات المصلين بآمين كان المسرح على الاقل ملتزما بالصمت ويتحرك فوق المسموح وتحت الممنوع . المهم انه لمدة ثلاثين سنة لا فضل للمسرح على الجامع الا بتقوى الحاكم. فلماذا هذه السياسة التوسعية للجامع اليوم؟ وهل سنشهد عمليات احتلال بالجملة للمسارح ولماذا هذا التوسع اذا كان الناس يساهمون يوميا بالالاف في بناء الجوامع بشراء تلك الوصولات بينما لا احد يدفع مليما واحدا للمساهمة في بناء مسرح؟ الاجابة وجدتها في حكاية حدثت في الغرب تقول حيثياتها ان راهبا يدير كنيسة توجد ملاصقة لملهى ليلي واراد صاحب الملهي القيام بتوسعة. اشتكى الكاهن الى السلطات المحلية على اساس ان الملهى سيصبح قريبا جدا من الكنيسة اثر التوسع بما يفسد على المصلين خشوعهم. استوفت الكنيسة كل السبل القانونية ولم تتمكن من منع اعمال التوسعة فقرر الكاهن تخصيص الخطبة الاسبوعية للدعاء بحرق الملهي. الصدف شاءت ان يحترق الملهي فعلا بعد ايام. قرر صاحب الملهى القيام بشكاية على اساس ان صاحب الكنيسة تسبب في حرق ملهاه عن طريق الدعاء. امام التعويضات الطائلة التي قد يحصل عليها صاحب الملهى اذا ربح القضية انكر الراهب ان يكون ان الدعاء هو المتسبب في حرق الملهي فيما تمسك الشاكي بذلك. الطريف في الحكاية وهي واقعية هو اجابة القاضي حيث قال وهو ينظر الى اوراق القضية قولة بقيت شهيرة الى اليوم: اني امام قضية معقدة ينكر فيها رجل دين ان الدعاء يمكن ان يتسبب في حرق ملهي بينما يقر صاحب ملهى بذلك!