بعد إخفاق الجولة السادسة من الحوار الفلسطيني في القاهرة، يمكن الاستنتاج بأن كل واحدة من الحركتين الرئيستين اللتين تتحكمان بالساحة الفلسطينية (أي فتح وحماس(، مازالت عند مواقفها، بالنسبة للمواضيع المتعلقة بكيفية إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية في الساحة الفلسطينية. ولعل هذه النتيجة المضرّة تفضي بداهة إلى الاستنتاج بأن الساحة الفلسطينية لم تعد قادرة لوحدها على تجاوز أزمة الاختلاف والانقسام والتنازع بين قطبيها الرئيسين والمقررين بإمكانياتها وشؤونها، لاسيما في ظل غياب تيار ثالث ضاغط، بحكم ضعف الفصائل الأخرى، وأيضا بالنظر لعدم تبلور تيار شعبي يسهم بتوليد قوة دفع باتجاه استعادة الساحة الفلسطينية لوحدتها وحيويتها. ويستنتج من ذلك أن الأزمة المستفحلة والمستعصية في الساحة الفلسطينية ليست مجرد أزمة انقسام، على مايجري الترويج له، وإنما هي أيضا أزمة تتعلق بافتقاد هذه الساحة للقيادة، بمعناها الوطني، وللسياسة بمعناها المسؤول، فضلا عن أنها أزمة تتعلق بترهل بنية ومؤسسات العمل الفلسطيني، وتخلف علاقاتها الداخلية، وانحسار قدرتها على الفعل؛ بالمقاومة أو بالتسوية. وينبثق عن ذلك أطروحة مفادها ضعف أهلية القيادة السائدة (بغضّ النظر عن تلاوينها) على استنهاض الساحة الفلسطينية، وتفعيل دورها وتعزيز حضورها، في وضع تبدو فيه هذه القيادة (لاسيما في فتح وحماس) منشغلة بتعظيم سلطتها الفصائلية، حيث فتح في الضفة الغربية وحماس في قطاع غزة، بغضّ النظر عن مصير المشروع الوطني الفلسطيني! هكذا، فإن التحديات التي تواجه الساحة الفلسطينية في هذه المرحلة، وضمنها وقف الاستيطان والدفاع عن عروبة القدس ومواجهة عنصرية إسرائيل ورفع الحصار عن قطاع غزة وإعماره وفك اسر المعتقلين في السجون الإسرائيلية، وتحقيق نوع من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين في الأرض المحتلة، وصولا لإنهاء الاحتلال، يبدو أن كل هذه المهمات والتحديات لا تجد لها محلا في سلم أولويات الفصيلين المتصارعين فتح وحماس، في ظل انشغالهما بالتصارع على السلطة (في ظل سلطة الاحتلال!). الأنكى من ذلك أن تصارع هذين الفصيلين يهدد الساحة الفلسطينية بمخاطر جمة، ليس أقلها تكريس واقع الفصل بين الضفة وغزة، وتبديد المكتسبات الكيانية الفلسطينية، وتحويل الجهد الفلسطيني من مواجهة إسرائيل إلى الاختلاف والاقتتال الجانبي والعبثي والمدمر. ومن ناحية أخرى فإن استمرار الانقسام والاختلاف بين فتح وحماس إنما يعتبر أفضل هدية يمكن تقديمها لإسرائيل، في هذه الظروف التي تتعاظم فيها الضغوط عليها، ولاسيما بحكم وجود إدارة أمريكية جديدة، باتت تضع في رأس أولوياتها وقف الاستيطان وإقامة دولة فلسطينية، بناء على قناعة مفادها أن حل هذه القضية يمكن أن يسهم بحل الأزمات الأخرى في المنطقة، من لبنان إلى العراق إلى إيران. ولعل هذا الوضع هو ماقصده اللواء عمر سليمان في تحذيره المتحاورين في القاهرة (من قياديي فتح وحماس) من تضييع الوقت بخلافات عبثية ومجانية، وقوله بأن ثمة «فرصة تاريخية» تتمثل بوجود وضع دولي «يساعد على الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية وإقامة دولة»، وان «المدخل لكل ذلك هو تحقيق المصالحة الفلسطينية». على ضوء ذلك يخشى أن الساحة الفلسطينية، في ظل أوضاعها المتردية، بدأت تعمل خارج الزمنين الدولي والإقليمي، حيث ثمة حديث عن مبادرة شاملة للتسوية في الشرق الأوسط ربما يطرحها الرئيس أوباما في الفترة القريبة القادمة، وثمة استعدادات لعقد مؤتمر دولي جديد للتسوية في موسكو، كما ثمة حديث عن قيام نوع من سلام إقليمي متدرج في المنطقة، يشكل غطاء لبعض التنازلات المطلوبة من إسرائيل (وقف الاستيطان مثلا(، ويشجعها على الإقدام على خطوات أخرى مستقبلا، مع بعض التفصيلات المتعلقة بالتطبيع (فتح المجال الجوي أمام حركة الطيران الإسرائيلي وإعادة فتح المكاتب التجارية) والتوصل إلى حالة سلام مع سورية. هكذا لم يبق أمام القيادات الفلسطينية، ولاسيما قيادات فتح وحماس، إلا العمل على اللحاق بهذا الزمن الدولي والإقليمي، للحفاظ على دورهما في هذه الساحة، عبر التوصل إلى توافقات سياسية مناسبة. أما البديل عن ذلك فربما يتمثل بتشديد الضغوط على هاتين الحركتين لدفعهما للتوصل إلى هكذا توافقات، لاسيما في حال اقتربت التسوية الإقليمية من النضوج. عدا ذلك فثمة سيناريوهين بديلين، الأول، ربما يتمثل بمعاودة شكل من أشكال الوصاية العربية على قضية فلسطين، بعد التقرير بعدم أهلية القيادة الفلسطينية (وتحديدا قيادتي فتح وحماس) على حمل المسؤولية الوطنية، لاسيما في ظل الانقسام في السلطة، وفي ظل تهمش منظمة التحرير. والثاني، ربما يتمثل في تجميد أي حل للقضية الفلسطينية، والمراوحة عند الواقع الحالي، في مقابل السير في نوع من الحل أو السلام الإقليمي، مايعني دخول القضية الفلسطينية في متاهة جديدة، وتضييع فرصة دولية وإقليمية قد لا تتكرر في المدى المنظور. ويستنتج من ذلك بأن التحول الدولي الحاصل بوجود إدارة أمريكية جديدة تضع على رأس أجندتها تفعيل عملية التسوية، وحل الصراع العربي الإسرائيلي، واعتبار ذلك بمثابة مدخل لحل الأزمات الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، إن وجود هكذا إدارة ربما لا يقدم كثيرا لحلحلة التسوية على المسار الفلسطيني، طالما أن الوضع على الساحة الفلسطينية هو على هذا النحو من التردي والسلبية.