إزاء الخروقات الدستورية والتشريعية التي تضمنها الأمران عدد 355 و359 الصادران بتاريخ 11 فيفري 2008 والمتعلقان بالتغطية الاجتماعية للمحامين ، لا يسعنا إلا التمسك بشعار دولة القانون والمؤسسات عسى أن نحقق تنظيم تغطية يتلاءم والنص الدستوري والتشريعي. 1/ خروقات النص الدستوري: أ- خرق الفصل 34 ورد الأمر عدد 355 منظما لتسيير صندوق الحيطة والتقاعد للمحامين، ولم يقتصر على التدبير الإداري والمالي بل تجاوزه إلى ضبط المبادئ الأساسية المتعلقة بالتغطية الصحية والتي يمكن ترتيبها كما يلي: الفصل الأول يضبط الأخطار المضمونة، الفصول 18 و19 و20 و21 و22 و24 تضبط الخدمات المسداة ، الفصل الثاني يضبط قائمة المنتفعين بالتغطية؛ ويتمثل خرق الأمر عدد 355 للنص الدستوري في تولي تنظيم ميدان بدلا عن النص التشريعي؛ ذلك أن الفصل 34 من الدستور ينص على أنه «تتخذ شكل قوانين النصوص المتعلقة بالصحة العمومية». على أن :»يضبط القانون المبادئ الأساسية ... للصحة العمومية ...» مع التذكير بأن عبارة الفصل 34 وردت مطلقة فتجري على إطلاقها على معنى الفصل 533 من م. إ. ع؛ بحيث تنسحب على الصحة كلما كانت تتعلق بعموم المحامين. ب- خرق الفصل 35 ينص هذا الفصل على أنه : « ترجع إلى السلطة الترتيبية العامة المواد التي لا تدخل في مجال القانون...» وهو تكريس لمضمون الفصل سابق الذكر من الدستور: ويتمثل وجه الخرق في تنظيم مادة تدخل في مجال الفصل 34 بمقتضى الأمر عدد 355. ج- خرق الفصل 6 يحدد الفصل 19 من الأمر عدد 355 سقفا متحولا من سنة إلى أخرى فيحدث تمييزا بين مرضى سنة وأخرى، مما ينال من مبدأ المساواة المنصوص عليه بالفصل السادس من الدستور؛ ذلك أن «كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات، وهم متساوون أمام القانون». ويخرق الأمر أيضا هذا المبدأ من خلال تحميل مبالغ الاشتراكات التي تختلف من قسم إلى آخر من المحامين . ولعل ذات الخطإ هو الذي تسرب من الأمر عدد 1367 لسنة 2007 المؤرخ في 11 جوان 2007 والمتعلق بضبط صيغ وإجراءات ونسب التكفل بالخدمات الصحية في إطار النظام القاعدي للتأمين على المرض الذي أرسى سقفا متغيرا سنويا والحال أن الأمر عدد 321 لسنة 2005 المؤرخ في 16 فيفري 2005 المتعلق بالتنظيم الإداري والمالي وطرق تسيير الصندوق الوطني للتأمين على المرض ينص على توفير أموال احتياطية، وهي التي ترصد لغرض تمويل الفارق في التكلفة السنوية بغية الحفاظ على استقرار السقف. وطالما أن الأمر عدد 355 قد يتضمن خرق أحكام دستورية فإن الأمر عدد 359 المتعلق بالترفيع في طابع المحاماة تمويلا للتغطية الصحية يكون قد خرقها بالتبعية. 2/ خروقات النص التشريعي: أ- مخالفة الفصل الأول من القانون المنظم للمحاماة ورد الفصل 16 من الأمر عدد 355 خارقا لمبدإ استقلالية المحاماة المنصوص عليه بالفصل الأول من القانون عدد 87 لسنة 1989 المؤرخ في 07/09/89 والمتعلق بمهنة المحاماة عندما يخضعها بصفة غير مباشرة لسلطة إشراف مضاعفة والمتمثلة في وزارتي الشؤون الاجتماعية والمالية؛ ذلك أن مجلس الإدارة عليه أن يمدهما بكل الوثائق في أجل مسمى. وليس من باب الصدف أن يحمل الفصل نفس الرقم في الأمر عدد 321 لسنة 2005 المشار إليه آنفا وأن يندرج تحت عنوان : إشراف الدولة. ب- مخالفة الفصل 62 ينص هذا الفصل من القانون المنظم للمحاماة على أنه:» يختص مجلس الهيئة الوطنية للمحامين بما يلي: رابعا: إدارة صندوق الحيطة والتقاعد للمحامين وتنظيم الرعاية الصحية والاجتماعية لهم ولأسرهم .» يفرق الفصل المشار إليه بين مجموعتين: الحيطة والتقاعد من ناحية والرعاية الصحية والاجتماعية من ناحية أخرى. أما في الحالة الأولى فإن الفصل 76 من قانون المحاماة قد أوكل تدبير الصندوق لأمر بعد أن كان قد ضبط مبادئ التقاعد بمقتضى الفصل 77 و78 و79 فيما يتعلق بالمنتفعين والفصل 75 فيما يتعلق بالتمويل. ويتوخى المسكوت عنه فيما يتعلق بالحيطة. أما في الحالة الثانية فإن المشرع قد أمسك عن إحالة مسألة تنظيمها إلى أمر بل جعلها من مهام مجلس الهيئة؛ وهو الاختصاص الذي يتعلق بالنظام العام والذي لا يجوز التفاوض عليه . وبالتالي فإن الأمر عدد 355 ورد مخالفا للفصل 62 عند توليه تنظيم صلاحيات تخرج عن نطاقه. ج- مخالفة الفصل 53 إن مسألة تنظيم الرعاية الصحية والاجتماعية لا تقل خطورة عن وضع النظام الداخلي لأنها مضمونة بالدستور وأن ضبط مبادئها يتم بواسطة نص قانوني، فضلا عن أن الأمر عدد 359 يلقي أعباءا على كامل المحامين لا سعة لهم بها ويمكن أن تنال المتقاضين بديلا. وترتيبا عما سبق، كان من المفروض عرض مشروع التغطية الإجتماعية على أنظار جلسة عامة استثنائية قصد الاستفتاء في المسألة؛ ويتم ذلك طبق الفصل 53: «كلما تعلق الأمر بمسائل متأكدة وذات أهمية وطنية...» بالاقتراع السري طبق قراءة تأليفية للفصلين 52 و55 من القانون عدد 87 لسنة 1989 واللذان يتضمنان إجراءات مداولات الجلسة العامة الاعتيادية والاستثنائية، وهو الاقتراع الذي يتعلق بالنظام العام . تحقيقا للشعار المرحلي لدولة القانون والمؤسسات تظل مسألة الأمرين حرية بالإلغاء مخالفة النص الدستوري والتشريعي خشية انفصام بين الشعار والممارسة.