رغم الزوبعة التي رافقت انطلاق أشغال المؤتمر الوطني لمناهضة العنف والإرهاب التي أثارها الحضور المفاجئ الذي عدّه العديد من الحاضرين استفزازيا لرئيس الجمعيّة الوسطيّة للتوعية والإصلاح – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سابقا - عادل العلمي وما تلا ذلك من حالة فوضى كادت تعصف بالمؤتمر لولا تدخّل ممثلين عن لجنة التنظيم وتهدئة غضب بعض الشباب الذين رفعوا شعارات « ديقاج» في وجه العلمي بعد أن تعمّد استفزازهم بإصراره على الحضور رغم كونه لم يكن من ضمن المدعوين وعلى خلفيّة تحميله المسؤولية عن اغتيال الشهيد شكري بلعيد بالتحريض المباشر في خطبه، وقيامهم باقناع العلمي بضرورة المغادرة بعد أن تمّ إيقاف الافتتاح. ورغم الإرباك الحاصل في الافتتاح وما عقبه من انسحاب سبعة أحزاب هي كل من النهضة والمؤتمر والثقافة والعمل والجمهوري المغاربي والإصلاح والتنمية والحركة الوطنيّة للعدالة والتنمية وحزب الأمان على خلفيّة ما اعتبرته في بيانها مشاركة صوريّة في مؤتمر اعتبروه حزبيا إقصائيا تقف وراءه بعض الأطراف السياسيّة والجمعياتيّة التي انفردت بإعداد المؤتمر وصياغة مضامينه الأساسيّة، تم استئناف أشغال المؤتمر مساء الثلاثاء 18 جوان من خلال عقد عديد الورشات حول القضاء والإعلام والأمن والإرهاب والمرأة وكل ما يتعلّق بالجوانب الأمنيّة وبأسباب الإرهاب. وقد أنهى المؤتمر أعماله يوم الأربعاء 19 جوان 2013 مساء بمقرّ الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة بإمضاء الميثاق الوطني لمناهضة العنف والإرهاب من قبل العشرات من الأحزاب والجمعيات بحضور السيّد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي وممثلين لرئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة والعشرات من ممثلي المنظمات والجمعيات والأحزاب السياسيّة . حفل الإمضاء الذي واكبته العديد من وسائل الإعلام الوطنيّة والأجنبية كان تتويجا لمجهودات انطلقت منذ إعلان كل من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعمادة المحامين التونسيين والمعهد العربي لحقوق الإنسان ولفيف واسع من الجمعيات والأحزاب رسميا عن فكرة تنظيم مؤتمر وطني لمناهضة العنف والإرهاب اثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد الذي كان أوّل من دعا إلى عقده للحدّ من تفاقم ظاهرة العنف خاصة بعد مقتل الشهيد لطفي نقض الناشط بحزب نداء تونس بجهة تطاوين ووصول العنف ذروته باغتيال المناضل الشهيد شكري بلعيد نفسه اثر يوم واحد من إعلانه عن المؤتمر الوطني لمناهضة العنف والإرهاب. انسحابات غير مبررة شهد حفل التوقيع على الميثاق الوطني لمناهضة العنف والإرهاب عودة حزبين منسحبين هما كل من حزب الأمان والحزب الجمهوري المغاربي وقد بررا هذه العودة والإمضاء على الميثاق بحصول القناعة لديهما بوجاهة التفسيرات التي قدمتها تنسيقيّة المؤتمر وما تبيّن لهما من تسرع في اتخاذ قرار الانسحاب. وقد طرح موضوع الانسحابات في اليوم الأوّل ومباشرة اثر انطلاق ورشات الحوار أكثر من تساؤل حول أسبابه الحقيقيّة وخاصة ما تعلّق بحزبي النهضة والمؤتمر من اجل الجمهوريّة وربط البعض بين هذا الانسحاب باعتباره في نظرهم إجهاضا للمسعى المجتمعي لتجريم العنف والإرهاب وإدانة كل المتورطين والداعمين والمبررين له وبين تعليق جلسات الحوار الوطني إثر تكرر تراجع حركة النهضة عن جملة التوافقات التي يتمّ التوصل إليها وهو ما اعتبروه استخفافا بالسلم الاجتماعي وسعيا نحو مزيد تأزيم الوضع وخلط الأوراق وإرباك مرحلة الانتقال الديمقراطي والدفع بها نحو الفشل في ظلّ تنامي خطر العنف المستشري والإرهاب المتصاعد في الداخل والخارج. الورشات خليّة لتخصيب الذكاء التونسي المتتبع للورشات التي تواصلت دون انقطاع طيلة يوم الثلاثاء وما تخللها من نقاشات يلمس قدرة التونسيين أحزابا وجمعيات على تطويق زوايا الاختلافات والوصول إلى توافقات مبدئيّة حول أكثر القضايا المستجدّة بعد الثورة التي تؤرق التونسيين وهي قضيتا العنف والإرهاب. وقد ساهم الأساتذة الذين اشرفوا على الورشات وقد حرصت تنسيقيّة المؤتمر على اختيارهم على أساس الاستقلاليّة والكفاءة على صهر جملة الآراء والمقترحات والتصورات المقدمة من ممثلي الأحزاب والجمعيات في مشاريع صياغة وفقت بحسب رأي المشاركين في الوصول إلى أرضية مشتركة شكلت متن الميثاق الذي أمضى عليه جميع المشاركين دون تحفظات. المنظمات الراعية تؤكد على ضرورة التحلي بالمسؤوليّة الوطنيّة لم تمرّ الجلسة الاختتاميّة وحفل التوقيع دون وقوع تشنجات لم يكن بطلها هذه المرّة عادل العلمي وإنما كان مستشار رئيس الجمهوريّة الذي حضر متأخرا ليلقي كلمة مرتجلة نيابة عن الرئيس لم يوفّق خلالها فكانت نشازا أثار احتجاج الحاضرين بالقاعة عندما برّر تغيب الرئيس بكونه احتجاجا على ما حدث أثناء الافتتاح على خلاف كلمة ممثل رئيس الحكومة السيّد سمير ديلو والذي وإن لم يقدّم موقفا واضحا من الميثاق الوطني الذي خلص إليه المؤتمر فقد تجنّب أكثر ما يمكن الخوض في المسائل الخلافيّة ونأى بنفسه عن الحديث عمّا وقع أثناء اليوم الأول مع عادل العلمي ومن انسحابات لحزبي النهضة والمؤتمر. أمّا السيّد مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي فقد كان واضحا في تدخله مباركا ما توصّل إليه المؤتمر من توافقات تجسّدت في الميثاق لذا ناله من الرضا الكثير وقوبلت كلمته بالترحيب. غير أن الكلمات التي كانت أكثر تأثيرا في المشاركين في حفل التوقيع كانت كلمات المنظمات التي أشرفت ونظمت المؤتمر وخاصة كلمة الأخ الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العبّاسي التي استدعت في مناسبات كثيرة مقاطعتها بالتصفيق من قبل الحاضرين، بل والوقوف احتراما عند انتهائها ورفع شعار «عاش عاش الاتحاد اكبر قوّة في البلاد» والتي ردّ عليها الأخ الأمين العام بأحسن منها وهو يعود لمنصة الإلقاء ويدعو الجميع «نعم عاش عاش الاتحاد قوّة بناء للبلاد». ولعلّ حرص الأمين العام على إنجاح المؤتمر تجلّى في إصراره على اعتبار ما تحقق نصف نجاح في انتظار التحاق الأطراف التي لم توقع بعد ودعوته إلى ضرورة إقناع الآخرين بالالتحاق وخلق توافقات مع كل القوى السياسيّة ليكتمل الإجماع الوطني على نبذ العنف والإرهاب، مقترحا تخصيص شوط آخر من الحوار لإنهاء المهمة الوطنيّة المستعجلة التي لا تقبل التأجيل في ظلّ تنامي مظاهر العنف وتعاظم خطر الإرهاب الذي بدأ يدق ناقوس الخطر في الشعانبي ويتجلى في الانتشار الواسع للسلاح. الشهيد بلعيد يكرّم بالغياب أكبر تكريم للشهيد شكري بلعيد خلال هذا المؤتمر تمثّل في إجماع جل الجمعيات والأحزاب المشاركة على أن يكون تاريخ اغتياله الموافق ليوم 06 فيفري 2013 يوما وطنيّا لمناهضة العنف والإرهاب، وهو ما اقرّه المؤتمر وطالب السيّد عبد الستّار بن موسى رئيس الرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان بإصدار قانون في أقرب وقت يقننه. كما تضمنت جل تدخلات رؤساء المنظمات والأمناء العامين للأحزاب تذكيرا بالدور الذي لعبه الشهيد شكري بلعيد في التنبّيه إلى خطر تنامي العنف والإرهاب ودعوته إلى عقد مؤتمر لمناهضتهما.