سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
استعمال مفرط للسلاح المصنوع في أمريكا والمنتهية صلوحيته تحميل القسط الأكبر من المسؤولية للحكومة
في التقرير النهائي للجنة المستقلة للتحقيق في احداث سليانة
قدّمت صباح الثلاثاء الماضي بأحد نزل العاصمة اللجنة المستقلة للتحقيق في احداث سليانة والمتكوّنة من السادة مسعود الرمضاني ناجي البغوري، شرف الدين القليل، رمضان بن عمر والسيدة ايمان البجاوي، تقريرها حول ما شهدته سليانة في نهاية العام الماضي من احتجاجات واسعة مطالبة بالتنمية والتشغيل والتي تمت مواجهتها بالاستعمال المكثف للعنف وبسلاح الرش مما أدّى إلى عديد الاصابات الخطيرة. هذه الاحداث المؤلمة التي جرت خاصة خلال يومي 27 نوفمبر اثر اعلان الاتحاد الجهوي للشغل بسليانة الاضراب. وقد تناول التقرير مستويات عديدة لهذه الأحداث الاليمة وللقمع الواسع الذي واجهت به قوات الأمن المتظاهرين فعلى المستوى الامني، شدّد التقرير على الاستعمال المفرط وغير المبرر احيانا للقوة من قِبل قوات الامن وعلى عدم احترام القانون في التدرّج لمواجهة الاحتجاجات على غرار مكبرات الصوت، الماء الساخن، الغاز المسيل للدموع...) واللجوء غير المبرر إلى سلاح الرش والإستعمال المفرط له وعدم استعماله للتنبيه أو بغاية درء خطر داهم. ووصف التقرير هذا الخيار الأمني بكونه ضربا من ضروب العقاب الجماعي والعشوائي في مواجهة المتظاهرين والسكان ومداهمة الاحياء وترويع الاهالي وعدم تشريك القيادات الامنية من ابناء الجهة في التفاوض مع المتظاهرين ونقص الخبرة المطلوبة لدى العناصر الامنية التي استعملت سلاح الرش والاستنجاد بعدد هام من العناصر الامنية المستجدة التي تفتقر الى التكوين والكفاءة المطلوبين في التعامل مع المحتجين. على المستوي السياسي أكد التقرير على ان شخصية الوالي غير المحايدة سياسيا والرافضة للحوار مع الاطراف المدنية والسياسية واساسا الاتحاد الجهوي للشغل من أبرز اسباب تفاقم الازمة فضلا عن غياب الحوار الذي ساهم في تسريع وتيرة الاحتجاجات والاضرابات مثلما أدت القطيعة بين ممثل الدولة بالجهة والاحزاب السياسية والاطراف المدنية والمواطنين إلى عزلة الوالي نهائيا عن الجهة وعزّز ذلك مطلب اقالته وفي السياق ذاته، أقر التقرير باخفاق الاحزاب الحاكمة في ادارة الازمة مقابل فشل المعارضة في ان تكون قوة اقتراح بدل الاكتفاء بالاحتجاج. وعلى الصعيد المركزي، عمق تمسك رئيس الحكومة انذاك بالوالي مهما كانت اخطاؤه وتحفظات المواطنين على ادائه، حالة الاحتقان والغضب لدي الاهالي وبين التقرير أيضا، ان تصريحات مسؤولين من حزبي المؤتمر وحركة النهضة بمثابة صب الزيت على نار الأزمة المشتعلة في سليانة. ممّا زاد الأمر توترًا مسارعة الحكومة إلى اتهام اطراف سياسية ونقابية حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد وقياداته، الجبهة الشعبية، نداء تونس والاتحاد الجهوي للشغل بسليانة. على المستوى الاقتصادي والاجتماعي كشف التقرير عن ان الاحساس بالغبن و«الحقرة» لدى أهالي سليانة نتيجة سياسات عمقت فقر منطقتهم وتهميشها لعقود، مثلما ترك ضعف نتائج الانتدابات في سلك التعليم وتعطل مشاريع التنمية بالجهة وتفاقم بطالة اصحاب الشهادات وعدم تسوية وضعيات عملة الحظائر، حالة من الاحساس بالغضب والاحتقان لدي مواطني الجهة بمختلف شرائحهم ووسع دائرة الاحتجاج. وتوقف التقرير في هذا الباب عند تراجع الحكومة عن وعودها باعتماد التمييز الايجابي في المناظرات لصالح المناطق المهشمة بما ساهم في اهتزاز ثقة المواطنين في السلطة. وقد تزامنت هذه الظروف مع تواصل اعتقال شباب من الجهة دون محاكمة علىخلفية احداث سليانة في افريل 2011 أو ما يعرف بالقضية عدد «206». استنتاجات حول الرش ولئن جاء هذا التقرير بالتفصيل على الوقائع التي شهدتها سليانة في موفي العام الماضي والتي تناولتها جريدة «الشعب» في عديد تحقيقاتها، فإن ابرز ما تعرّض اليه من استنتاجات حول الرش هو الطابع العشوائي لاستعماله وخاصة في وضعيات لم تتوفر فيها لا شروط الدفاع الشرعي ولا هاجس تفريق المتظاهرين ولا واجب حماية أحد المقرات العمومية، اذ ان اللجوء إلى الرش لم يكن من هذه الزاوية ضرورة حتمها نفاد قنابل الغاز المسيل للدموع. وبيّن التقرير ان القنابل المسيلة للدموع التي استعملت خلال الاحداث وخاصة في الفترة الممتدة من 27 إلى 30 نوفمبر 2012 هي عديدة ومتنوعة ولعلّ أهمها TRIPLE CHASER GRENADE C.S المصنعة بالمخابر الفيديرالية الامريكية. شهادات وواقع وتعرّض التقرير الى جملة من الشهادات الحية والمباشرة للمتضررين مثلما تناول بالتحليل والتدقيق واقعة اقتحام المستشفى الجهوي ودهس هشام الكافي والاعتداء على سيارة الاسعاف والاعتداء على الصحافيين. وبالاعتماد على مصادر وزارة الداخلية ضبط التقرير عدد المصابين من رجال الأمن حسب الصنف ونوعية الاصابة حيث وصل المجموع بين الكدمات والكسور الى نحو 134 حالة، بينما وصلت الاعتداءات على المدنيين حسب الجنس وخطورة الاصابة إلى 173 حالة، موثقة بالاسم والسن وخاصة مدة العلاج. التوصيات حمّل التقرير القسط الاكبر من المسؤولية للدولة التونسية دون اهمال دورالاحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وطالب بتوفير جبر الضرر وضمان فرص الشغل وضمان حق الضحايا في كشف الانتهاكات التي طالتهم وادماج أحداث سليانة ضمن المسار العام للعدالة الانتقالية مثلما طالب التقرير بتفعيل مطلب اصلاح المنظومة الامنية ومختلف اجهزة الامن الداخلي وتعزيز التجهيز اللوجستي واعادة النظر في منظومة الانتداب في كل الاسلاك وتعميم مناهج التكوين. أمّا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، فقد طالب التقرير بتعيين مسؤولين جهويين مستقلين عن الاحزاب السياسية وضبط رزنامة لقاءات دورية بين المسؤولين الجهويين ومكوّنات المجتمع المدني ودعم الديمقراطية الاشتراكية والبدء باجراء حوار وطني حقيقي حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي بسليانة وبكل الجهات المحرومة ودعوة المجتمع المدني والسياسي إلى ارساء ميثاق سياسي اخلاقي يلتزم بالقيم الكونية لحقوق الانسان ونبذ العنف اللفظي والمادي...