بالتزامن مع احتفالات الشعب التونسي بالذكرى الاولى لثورة الحرية والكرامة نظّمت جريدة «الفجر» يوم السبت 14 جانفي 2012 بنزل المشتل بتونس العاصمة ندوة علميّة حول قطاع الإعلام تحت عنوان «» ومن اهمّ القضايا التي تطرقت اليها الندوة: الأطر القانونيّة المنظّمة للإعلام وسبل تطويرها لإصلاح القطاع حتى يقوم بدوره بالشكل الأمثل في هذه المرحلة الحساسة، كما تناولت واقع المؤسسات الإعلاميّة العموميّة والصّحافة المكتوبة خصّصت الجلسة الأولى في الندوة للأطر القانونيّة الجديدة المنظمة للإعلام، حيث أبرز السيد كمال العبيدي رئيس الهيئة الوطنيّة لإصلاح الإعلام والاتصال أنّ إصلاح الإعلام ليس بالأمر الهيّن ولا بالأمر اليسير وأن على الهيئة العمل على تهيئة الأرضيّة القانونيّة لإصلاح الإعلام وفي هذا الإطار تنزلت مساهمة النقابة الوطنيّة للصحفيين التونسيين مع الهيئة إضافة إلى بقيّة الأطراف في صياغة مشاريع مراسيم من شأنها تنظيم قطاع الإعلام. كما بيّن العبيدي أنّ الهيئة عقدت عدّة جلسات ولقاءات حول كيفيّة تحويل المؤسسّات العموميّة من مؤسّسات حكوميّة دعائيّة إلى مؤسسّات تخدم الشعب، مؤكدا أنّ الإصلاح يبدأ بإعادة هيكلة المؤسسات قانونيّا ومراجعة طرق الانتداب والارتقاء والتسيير، ويرتبط بمدى حرفيّة الصحفيين، وهو ما يتطلب بحسب رايه إرادة سياسيّة حقيقيّة. من جهته أبرز أستاذ القانون مصطفى باللطيف أنّ الإعلام كان يتميّز قبل 14 جانفي بنصوص قانونية تجميلية لا غير أهمّها مجلّة الصّحافة والعديد من النصوص الأخرى كمجلّة الاتصالات وقانون حماية المعطيات الشخصيّة، في الوقت الذي منحت فيه الإدارات العامّة الحرّية المطلقة للوصول للوثائق الشخصيّة وخاصّة وزارة الداخليّة، واكّد أنّ عمليّة الانتقال الديمقراطي وضعت الإعلام في إطار ومناخ جديد، ومن الطبيعي أن ينطلق الإعلام في كلّ الاتجاهات ويرتكب المخالفات والتجاوزات وغير ذلك. وأبرز أنّ عمليّة الانتقال الديمقراطي تفرض وجود جدليّة الهدم والبناء، هدم الاستبداد وبناء الديمقراطيّة. مداخلة السيّد منصف بن مراد رئيس جمعيّة مديري الصحف أكدت على أنّ الجمعيّة كانت لاعبا رئيسيّا وشريكا في صياغة المراسيم، كما أكّد وجود حرب تعدّت جميع الأخلاقيات والخطوط الحمراء تظهر أساسا على الشبكة العنكبوتيّة، وشدّد على ضرورة أن تتوقّف الحرب عبر النّقاش والحوار. كما قال إنّ الحياد في الوسائل الإعلاميّة لا يمثّل عداء للأحزاب السياسيّة. وأبرز أنّ الأطراف السياسيّة تحاول استعمال وسائل الإعلام خاصّة وأنّ الانتخابات قادمة. كما أشار إلى دور وسائل الإعلام الذي يتمثّل أساسا في تهدئة أو تأزيم الأوضاع، وأوضح أنّه يمكن الاعتماد على وسائل الإعلام في حلّ بعض القضايا على غرار الاقتصاد والأمن وغيرها. وفيما يخص مجلّة الصحافة اشار بن مراد الى وجود نقيصتين أولاهما يتعلّق بالنفاذ إلى المعلومة أمّا الثانية فهي تتعلّق بتقديم الشكوى من طرف النيابة العموميّة، فمن الواجب أن يقوم صاحب الحق بالشكوى لا النيابة العموميّة. وأعتبر أنّ مشروع مرسوم الصحافة الجديد في مجمله إيجابي. أمّا بخصوص مرسوم القطاع السمعي البصري فقد أوضح أنّه إيجابي إلاّ أنّه توجد بعض الأشياء التي يرفضها على غرار الهيئة المستقلّة للإعلام السمعي البصري والتي يمكن أن يستغلّها أي نظام للقضاء على الإعلام. واعتبر أنّ أخطر شيء على القطاع السمعي البصري هو وضع هيئة إداريّة قضائيّة. المنجي الخضراوي عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنيّة للصحفيين أكّد أنه يوجد نقد موضوعي وذاتي يوجّه لقطاع الإعلام وهو نقد بغاية الإصلاح. وقال إنّه بعد ثورة 14 من جانفي لم يقع إبعاد الوجوه القديمة ووضع وجوه جديدة، بل تواصل الأمر نفسه. وقال إنّه يعتقد أنّه يجب أن يتمّ انتخاب مجالس التحرير بعد الثورة وهو ما سيؤتي أكله، أمّا وبخصوص التعيينات أكّد الخضراوي أنّ النقابة رفضتها لأنّ القانون الجديد يفرض التشاور مع أهل الإختصاص. احترام أخلاقيات المهنة سبيل لتطوير الإعلام أبرز الأستاذ النوري اللجمي في مداخلته التي تمحورت حول أخلاقيات المهنة أنّ الاستعمال الجيّد لحريّة الصحافة يتطلّب مقاييس وضوابط ومسؤوليات حتّى يتمّ تحديد الخطوط الحمراء. والضوابط التي عادة ما تحترمها أي مهنة هي الأخلاق والقانون. وأوضح اللجمي أنّ أخلاقيات الصّحافة تتمثّل في مجموع القواعد التي تنظّم العمل الصحفي وسلوك العمل الصحفي تجاه وظيفته وجمهوره بصفة عامّة، ويمثّل وسيلة تجنّب الصحفيين مختلف أنواع عدم الحياد و تحثّهم على التثبّت وعدم المساس بالحياة الخاصّة وكذلك الاستجابة لتطلّعات الجمهور الذي يطالب بالحصول على المعلومة الصحيحة. وأكّد أنّه توجد الكثير من المساعي لسنّ قوانين جديدة لضبط المهن و أقرّ بوجود بعض النقائص تختلف درجة خطورتها وأهمّيتها وأبرز أنّ الهدف من تنظيم أخلاقيات المهنة هو تجنّب الملاحقات القضائيّة حتّى لا تكون سببا في مضيعة الوقت والمادّة، وتدعيم المحاسبة الذاتيّة للأخطاء الصحفيّة. وأوضح اللجمي أنّه يجب التفكير في مؤسّسة تنظر في الأخطاء والانحرافات التي يقع فيها الصحفي، ولضمان فاعليتها يجب أن تكون أوّلا فاعلة ومرنة ومنضبطة. واقع المؤسسات الإعلامية العمومية فيما يخصّ ملف المؤسسات الإعلامية العمومية قال سعيد الخزامي صحفي بالتلفزة التونسية إن التلفزة الوطنية هي مؤسسة عمومية ولا يمكن أن تكون إلا كذلك بعد أن جعل منها النظام السابق جهاز للدعاية وتضليل الخصوم السياسيين، ثم تساءل «هل تلفزتنا الوطنية تابعة لإعلام عمومي أم لإعلام حكومي؟، وأكّد «نحن نحتاج أن تكون تلفزتنا تلفزة قطاع عمومي لا جهاز حكومي حيث يجب أن تخدم المصلحة العامّة في انفصال كامل عن الحكومة، أي قد تنتقد الحكومة، وقد تشير إلى تجاوزاتها لكن لا تتحامل عليها، وأن من مهام التلفزة الوطنية أيضا تناول مشاغل المجتمع وتثقيف الناس وترفيههم، زيادة على إثراء الحوار الوطني وترسيخ قيم الحريّة، ولكي تقوم التلفزة بهذا الدور لا بدّ من إعادة بنائنا «، وأضاف سعيد الخزامي «التلفزة حسب ما عاينته، وجدتها متخلّفة وتحتاج إلى تغيير شامل وكامل يخضعها إلى نظام هيكلي يرقى بإدارتها وبمستوى أدائها وبإنتاجاتها الإعلامية». ودعا الخزامي إلى أهمية إصلاح مدوّنة السلوك التي تحدّد الضوابط المهنية لتقديم مادة إعلامية بموضوعية وحيادية والتي تحمي الصحافيين من الانزلاقات، واشار الى العدد الكبير من الأعوان والموظفين في مؤسسة التلفزة والذي يصل إلى 1200 عون، مضيفا هذا لا تحتاجه التلفزة خصوصا وأنّنا نعلم جميعا كيفية الانتداب داخل المؤسسة، وبالتالي تحتاج التلفزة إلى تحرير المبادرة وتكثيف التدريب ومواكبة المعايير العالمية والتقنيات الالكترونية المتطوّرة، والاحتكام إلى سوق العمل ونبّه إلى موضوع الديكور الذي ما يزال بائسا... وهذا كلّه ليس إلا جانب من أسباب عدم رضاء المواطن على التلفزة الوطنية. ممكنات الاصلاح في ضوء الواقع الاعلامي عبد الكريم الحيزاوي مدير المركز الإفريقي لتدريب الصحفيين اختزل آفاق الإصلاح المنشود في التعددية ليس فقط في الكمّ بل في ضرورة وجود صحف متنوّعة علمية ودينية وعلمانية ووسطية، كما أكّد على ضرورة حماية صحف الرأي ودعمها من طرف الدولة لأنه من السهل على الصحف الحزبية وصحافة الرأي الاندثار. واعتبر عبد الكريم الحيزاوي أن الصحافة المكتوبة هي الوعاء الأصلي للعمل الإعلامي وهي القاعدة والمرجع لكلّ تفكير إعلامي، واليوم تنوّعت وتطوّرت وأصبحت ذات إطار قانوني جديد (مرسوم 2 نوفمبر 2011)، وقال الحيزاوي إن هناك بداية إصلاح جذري وجد في إطار قانون جديد للمهنة الصحفية يضمن حق الصحفي في الحماية والاحتفاظ بالسرّ المهني، ويضمن حرية الصحافة والنشر والطباعة وأكّد أن للحريّة مشاكل لكن مشاكل الحرية أفضل من كوارث غياب الحرية، وأوضح للحضور مدى الفساد الموجود في قطاع الإعلام والذي يجب برايه متابعته وإصلاحه كي لا يتواصل، خاصة وأن الإطار القانوني واضح. وتطرق الأستاذ الحيزاوي في خاتمة مداخلته إلى مسألة الصحافة الالكترونية والتي اعتبرها قضية لم توضع لها قوانين تحميها وتضبطها. التحديات التي تواجه قطاع الاعلام بيّن عبد السلام الزبيدي رئيس تحرير مساعد بجريدة الأنوار في علاقة بالتحديات التي يواجهها أبناء قطاع الإعلام خاصة بعد صدور صحف كثيرة بعد 14 جانفي 2011، أن وزارة الداخلية سلّمت 200 وصلا لإصدار مؤسسات إعلامية لكنه تساءل «هل لدينا بنية أساسية قادرة على إصدار هذه الصحف؟ وأبرز أن الكثير من الصحف أصبحت عبئا على القطاع العمومي، كما أشار الى مشكل الإشهار العمومي حيث لاحظ أن نفس نسبة الإشهار في نفس الصحف قبل وبعد 14 جانفي من السنة الفارطة. وتعرض عبد السلام الزبيدي إلى نقاط مختلفة تهمّ م وضوع الإعلام منها تركيبة لجنة إسناد البطاقات، وتعيين ممثلي النقابات الذي يجب أن يكون بالتشاور أو الانتخاب. في الاسباب الكامنة وراء الصراع الاعلامي اليوم النقاشات التي اعقبت المداخلات كانت ثريّة وقد تمحورت حول فكرة رئيسية، هل أن الصراع الذي يدور في مجال الإعلام التونسي اليوم هو صراع بين رؤوس الأموال ؟ وهو ما اعتبره البعض غير صحيح وذهبوا الى أن الصراع بالأساس يعود إلى رؤوس الأموال وإلى الصحفيين، إضافة إلى صراع الصحفيين مع المعايير المهنية وخاصة المعايير الأخلاقية، ففي السابق قبل الرابع عشر من جانفي 2011 كانت حجة الصحفيين التي يستعملونها لتبرير انصياعهم لأوامر المنظومة الفاسدة خوفهم من بطشها، لكن اليوم ليس لهم أيّ حجّة حتى يقدموا إعلاما نزيها وهم أنفسهم يقرّون بأن حرية الإعلام أصبحت متاحة.