-ستنظم وزارة التنمية الجهوية في الأيام القادمة ملتقى وطنيا لتقديم نتائج أعمالها للأشهر السبعة المنقضية. أعمال تركزت في محاضر جلسات أجراها ممثلو الوزارة في مختلف الجهات وتم خلالها تدارس الوضع التنموي في كل المناطق وتم جمعها وتوثيقها في كتاب اختارت له الوزارة عنوان «» تهدف من خلاله إرساء استراتيجيا تنموية هدفها تغيير واقع الجهات على مستوى التهيئة العمرانية والبنية الأساسية والحوكمة والحكم الرشيد ودور المسؤول الجهوي والمحلي... ومن ابرز المقترحات إعادة تقسيم الجهات اقتصاديا من خلال تقسيم الشريط الساحلي إلى خمسة جهات أو ما يشبه الأقاليم الاقتصادية من أجل ربط الجهات الداخلية بالساحلية. ومن دون التقليل من جهد الوزارة في هذا المنحى إلا أنه من الضروري أن نبدي بعض الملاحظات التي نراها ضرورية، فأول استنتاج يمكن ملاحظته هو استفراد الطرف الحكومي كالعادة بوضع الخطط الإستراتيجية والتفكير نيابة عن باقي الهياكل وعن المواطن في حد ذاته، فمن خلال هذا التمشي نتبين أن وزارة التنمية المؤقتة عولت على هياكلها دون غيرها، و«أقصت» أو لنقل «تجاهلت» الأطراف الأخرى من أحزاب وجمعيات ومنظمات، وخاصة منها الاتحاد العام التونسي للشغل في صياغة مشروع «»، وما ستقوم به في الملتقى المزمع تنظيمة لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون وإيهام بالحوار وتشريك جميع الأطراف المعنية، وهي ذات السياسة وعينها التي كان ينتهجها النظام السابق ولم تعد على هذا البلد إلا بالوبال... الاستنتاج الثاني الذي يمكن أن نقف عليه هو أن وزارة التنمية الجهوية، ومن ورائها الحكومة، تستبطن عن غير قصد (أو عن قصد) الإقامة الدائمة في مواقع القرار والحكم، ذلك أن خططها واستراتيجياتها لا يمكنها بأي مقياس أن تكون لمدة وجيزة لا تتجاوز المدة التي تفصل الشعب التونسي عن أول استحقاق انتخابي نتمنى أن يكون حقيقيا... الاستنتاج الثالث أيضا الذي يمكن أن نستشفه من «حركة» وزارة التنمية، هو إهدار المال العام والجهد البشري في تنظيم مثل هذه الأعمال والبحوث والدراسات خاصة إذا علمنا أن النظام السابق كانت جل دراساته وخططه التنموية «ائدة» نظريا وعلى الورق فوق مكاتب الوزراء والمديرين والولاة والمعتمدين، غير أن تطبيقها على ارض الواقع كان مشلولا بقصد وبوعي كبيرين غذاهما الفرز الجهوي الذي انتهجته العائلة الحاكمة سابقا بمعية أعوانها ومباركة الرأسماليين المنتفعين من هذا الفرز... دراسات تنموية توهم بالعدالة الاجتماعية والتوازن الجهوي ودولة الرفاه والرخاء، مثلها مثل الدراسات «الحقوقية» التي كانت تدبجها الأقلام المتمعشة من النظام النوفمبري والتي حولت تونس إلى أيقونة للحريات العامة والفردية وللديمقراطية واحترام حقوق الإنسان... دراسات جعلت المنتظمات المجتمعية الدولية تعتبر تونس «معجزة» على وجه الأرض... الاستنتاج الأهم أيضا في تقديري، هو التجاهل التام للدراسات الميدانية التي أنتجتها كفاءات علمية وأكاديمية في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل الذي آل على نفسه أن يضرب المثال العملي في بناء تونس لكل التونسيات والتونسيين، فالاتحاد العام التونسي للشغل يشبه خلية نحل لا تكل ولا تمل من إنتاج المعرفة ومراكمة التصورات والاقتراحات العملية الرصينة ذات المنطلق الواقعي والأفق الاستشرافي، والصبغة التنويرية التي تُشع على كامل البلاد أرضا وشعبا، ومن ينكر قيمة هذا المشروع لا يتوانى في الاستئناس بنتاجاته المعرفية ومعطياته العلمية وخاصة تصوراته ومقترحاته في السر وفي العلن، ولعل خير مثال على كلامي آخر الدراسات المنجزة في هذا السياق وأعني به كتاب «التنمية الجهوية بولاية سيدي بوزيد: بين الواقع المكبل والإمكانات الواعدة»، كتاب لم يكن ابيضا ولكنه برهن على الاقتناع التام بأن بناء الدولة التونسية ليست مسألة شخصية تهم هذا الشخص دون غيره أو هذه الوزارة دون سواها أو هذا الحزب دون شبيهه أو تلك الفئة دون بقية الفئات... كتاب أعد مثله الاتحاد كتبا أخرى عن الكاف والقصرين وجندوبة وقفصة...