ربط خبراء سياسيون عرب إمكانية تكرار تجربة حملة "تمرد" المصرية، التي قادت احتجاجات أعقبها قيام الجيش بعزل الرئيس محمد مرسي، واستنساخها في دول عربية بعاملين رئيسيين: موقف مؤسسات الدولة (الجيش والشرطة) في مواجهة المطالب المرفوعة، وقدرة صانع القرار على التعامل بحكمة في الوقت المناسب مع تصاعد مطالب الحملة وتلبية مطالبها. وحملة "تمرد" المصرية انطلقت في أفريل الماضي بهدف جمع توقيعات مباشرة من المواطينن على استمارات تسحب الثقة من الرئيس المنتخب مرسي وتطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع إتمام مرسي عاما على توليه الحكم في 30 جوان الماضي، وقالت إنها جمعت 22 مليون توقيع (لم يتسن التأكد من صحتها)، كما أنها صاحبة فكرة مظاهرات 30 جوان للمطالبة برحيل مرسي والتي على إثرها أطاح الجيش به في 3 جويلية. وعقب ذلك، انتشرت بقوة حملات باسم "تمرد" في عدد من الدول العربية في أشكال مختلفة، وخاصة في تونس والبحرين والمغرب. وبينما دعت "تمرد" التونسية إلى مظاهرات حاشدة بغرض إسقاط المجلس التأسيسي (البرلمان المؤقت) وجميع المؤسسات المنبثقة عنه، بدعوى أنه "لم يحترم الشرعية التي قدمها له الشعب ولم يقدم أي برنامج سياسي واضح ولم ينجز الدستور"، مستهدفة جمع مليون ونصف توقيع مع نهاية الأسبوع المقبل، دعت "تمرد" البحرينية إلى التظاهر يوم 14 أوت المقبل بهدف إسقاط النظام. وفي المغرب دعت "تمرد" إلى الاحتجاج يوم 17 أوت دون جمع توقيعات؛ للمطالبة بالملكية البرلمانية وإسقاط حكومة عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي يقود الائتلاف الحكومي. أما في فلسطين، فقد دعت "تمرد" في قطاع غزة الذي يسيطر عليه حركة حماس، إلى" إعلاء صوت الشباب وتمكينه من المشاركة السياسية"، وحملت حركة حماس مسؤولية "الانقسام الفلسطيني وعدم إتمام المصالحة (مع حركة فتح)"، وأمهلت حماس حتى 10 أكتوبر المقبل لإنهاء هذا الانقسام والتهديد بالنزول بعدها إلى الشوارع في غزة ضد الحركة. وفي السودان، دعا رئيس الوزراء السوداني السابق، زعيم حزب الأمة المعارض، الصادق المهدي، إلى جمع توقيعات، على غرار توقيعات "تمرد" المصرية، من أجل إسقاط نظام الرئيس عمر البشير سلميا. وفي اليمن، قلت درجة ظهور "تمرد"، حيث اقتصر انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي؛ للتعبير عن رفض حالات الانفلات الأمني، و"الفوضى" في المؤسسات العسكرية والمدنية، وكذلك المطالبة ب"مدنية" الدولة. وفي تعليقه على جدوى هذه الحملات، ومدى قدرتها على تحقيق ما تصبو إليه، اعتبر علي الصاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن "تمكن "تمرد" المصرية في إحداث حالة من الزخم في أوساط معارضي الرئيس المصري السابق محمد مرسي، والإطاحة به، منح الثقة مرة أخرى للمعارضة في مختلف الدول العربية لإمكانية توسعها في شكل جديد يختلف عن شكل الديمقراطية المعتاد عليه، عبر الصناديق. وفي تصريحات لمراسلة الأناضول، رأى أن "مقارنة حجم الزخم الذي حققته "تمرد" بمصر، والزخم الذي يتوقع أن تحققه "تمرد" التي ظهرت مؤخرا بعدد من الدول العربية سيكون مرهونا بطبيعة الدولة وتعاملها مع المطالب". واستبعد وصول "هذا المد التمردي في المغرب مثلاً إلى ما حققه في مصر، حيث إن الملك في المغرب لديه من القوة ما يدفعه لإجراء إصلاحات ويدفع الشعب في الوقت نفسه لتقبلها، بعكس مثلاً الوضع في تونس حيث إن الدولة تواجه صراعات سياسية ومطالب لدى معارضي حزب النهضة تحول بينها وبين التغلب على ذلك التمرد". وتابع: "كذلك في البحرين مثلاً، نجد قدرة السلطات على التغلب على تلك الحركة ومطالبها ستكون هي الفيصل، سواء من خلال قمع تلك التظاهرات، أو حتى بالحماية التي توليها دولة بحجم السعودية للبحرين، وهذا أيضاً بعكس الوضع مثلاً في السودان الذي يعاني من مشاكل داخلية متفاقمة، كما أن قيادته لا يساندها أحد في التغلب على مشكلاته". وأشار الصاوي إلى أن "هناك عاملين أساسيين في تحديد زخم "تمرد" بتلك الدول هما مدى قوة مؤسسات الدولة (الجيش والشرطة) وموقفها في مواجهة المطالب المرفوعة، وقدرة صانع القرار أو الحاكم على التعامل بحكمة مع تصاعد مطالب الحركة". من جانبه، رأى خليل الخليل، وهو محلل سعودي وأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، أن "حركات تمرد لن تكون بنفس حجم الزخم المصري في الدول العربية التي انطلقت منها، وإن حاولت أن تكون بنفس المسار"، مشيراً إلى أن "كيفية تعامل السلطات مع الحركة وإذا ما كان سيكون هناك استخدام للعنف أو لا، هو ما سيحدد مصير الحركة". وأضاف الخليل لمراسلة الأناضول عبر الهاتف أن "مدى قوة الدولة في مواجهة المطالب المرفوعة من حيث عدم الانصياع لمروجي العنف، أو استخدامه دون أدنى مبرر، وكذلك قدرة السلطات على تقدير الأوضاع والتعامل معها بحكمة سواء من خلال الاستجابة لجزء من المطالب أو لها كلية سيحدد مصير تمرد" في الدول العربية. وأشار إلى أنه "من المتوقع أن ينتهي زخم تمرد في بعض الدول بمجرد الاستجابة للإصلاحات، رغم خطورة التصاعد الذي يحدث عندما تخرج الملايين للشوارع وهو ما حدث في 25 جانفي بمصر عندما خرج المصريون للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية وارتفع سقف مطلبهم لرحيل حسني مبارك الرئيس الأسبق"، على حد قوله. طلال عتريسي، المحلل السياسي وعضو الهيئة الاستشارية في مركز "باحث للدراسات" بلبنان، اعتبر أن ما فعلته "تمرد" بمصر "سيترك تأثيراته على الدول العربية تماماً كما حصل في موجة الربيع العربي، لكن في الوقت نفسه يجب الأخذ في الاعتبار أن نتائج التمرد في مصر لم تكن لتحدث دون تفاهم مع الجيش"، وهو ما يعتبره عتريسي غير متوفر في المغرب والبحرين. وأوضح عتريسي أن استنساخ "تمرد" قد يحدث في تونس "حيث إن هناك أزمة فعلية بالداخل خاصة بعد اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد ووجود حماسة لدى المعارضة، الأمر نفسه في السودان؛ حيث إن هناك إمكانية كبيرة لنجاح "تمرد" وتحقيقها مكاسب نظيرتها المصرية". غير أنه اعتبر أن الأمر يبقى متعلقا بالقدرة على الحشد وإلى أي جهة ستميل القوى العسكرية.