بقلم الاستاذ بولبابه سالم* تتقاطر الوفود الفنية لصندوق النقد الدولي على تونس منذ اشهر ردا على طلب بلادنا قرضا بقيمة 4 مليار دولار و الذي اعتبرته وزيرة المالية الامل الاخير لانقاذ الميزانية في ظل الازمة المالية الخانقة . و يبدو وفق تصريحات كبار المسؤولين في المؤسسة المالية الاكبر في العالم ان الحكومة التونسية بدات تستجيب لشروط الصندوق و هناك مؤشرات على قرب انطلاق مفاوضات اللجان الفنية المشتركة في الايام القليلة القادمة . ... تدهور وضع المالية العمومية جعل حكومة السيد نجلاء بودن امام خيارات صعبة و قاسية ققد كانت الحكومات السابقة ترحل الازمة الى الحكومات التي تخلفها لكن شروط صندوق النقد الدولي هذه المرة موجعة و صعبة الهضم اجتماعيا و سياسيا بعد تدهور الترقيم السياسي لتونس و الذي كان اخره تصنيف وكالة فيتش الذي صنف تونس ذات مخاطر عالية و غير قادرة على تسديد ديونها مما يحعل التوجه الى صندوق التقد الدولي شرا لابد منه . لكن صندوق النقد الدولي ليس مؤسسة خيرية بل فرض شروط تقشف مثل رفع الدعم عن المواد الأساسية وهو ما انطلق تدريجيا و ايضا تجميد الاجور مدة خمس سنوات و تقليص الاتتدابات في الوظيفة العمومية و تخفيض كتلة الاجور و التفويت في المؤسسات العمومية التي تثقل كاهل الدولة بسبب سوء التصرف و المديونية او الافلاس. في هذا الخصوص بدت مواقف القيادات النقابية تتراوح بين الرفض و تفهم بعض المطالب مع الاستعداد لتقاسم الاعباء ضمن حوار تشاركي كما دعا الى ذلك الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ، و قد كاتت المركزية التقابية منشغلة قبل ذلك بمؤتمرها الذي مدد للقيادة الحالية . و هناك قيادات نقابية اعلنت صراحة رفضها للخيارات الليبرالية المتوحشة التي يريد فرضها صندوق التقد الدولي و تتبناها الحكومة، ياتي ذلك مع دعوة الطبوبي للتفاوض حول الزيادات في الاجور مع تدهور المقدرة الشرائية للاجراء بسبب ارتفاع الأسعار. لكن هل هذه التصريحات موجهة للاستهلاك الاعلامي و ارضاء القواعد العمالية ام هي مواقف مبدئية لوضع خطوط حمراء امام حكومة الرئيس ؟ الحقيقة بدت مواقف الاتحاد العام التونسي للشغل مهادنة للحكومة رغم رفض الرئيس قيس سعيد لكل مبادرات الحوار التي طالبت بها المنظمة الشغيلة كما رفض تصريحات الطبوبي حول الخيار الثالث و دعا سابقا من طالب من القيادات النقابية بخارطة طريق الى البحث عنها في كتب الجغرافيا... ياتي ذلك رغم دعم الاتحاد للانقلاب الدستوري الذي حصل يوم 25 جويلية . لعل الموقف الاكثر حرجا للاتحاد اليوم هو ملف بيع المؤسسات العمومية فلا احد في ظل الازمة الحالية سيتاقش الزيادات في الاجور او تفعيل الاتفاقيات السابقة التي تتسبب الآن في اضرابات قطاعية ، و يبدو الرئيس قيس سعيد في موقف قوي امام القيادة النقابية لان الجميع يعلم الصعوبات التي تشهدها المؤسسات العمومية بسبب سيطرة التقابات . و لعل صندوق التقد الدولي يجد نفسه امام فرصة سانحة لفرض شروطه لان كل السلطات بيد رئيس الدولة الذي لازال رغم كل الانتقادات يحظى بدعم شعبي محترم وهو ما صرح به مثلا فريد بلحاج تائب رئيس البنك الدولي الذي دعا الى استغلال شعبية قيس سعيد في تمرير الإصلاحات المطلوبة . من ناحية أخرى اعتقد ان الشراكة بين القطاعين العام و الخاص هو الحل للمؤسسات العمومية المفلسة لان الدولة لم تعد قادرة على تحمل نفقاتعا و سداد ديونها التي تراكمت بسبب الفساد و سوء الادارة ، وهو خيار يظل ممكنا ضمن شروط محددة تحفظ حقوق الدولة و هتاك تجارب في دول اخرى يمكن الاستفادة منها . من جهة ثانية فإن مواقف المركزية النقابية من شروط صندوق التقد الدولي و خيارات الحكومة سيشكل اختبارا صعبا لمدى انحيازها للحقوق الاجتماعية رغم اكراهات الواقع و حسابات السياسة خاصة ان الصندوق يشترط قبول المنظمة الشغيلة بها ضمانة للاستقرار ،، تلك الاكراهات نفسها هي التي تدفع الرئيس قيس سعيد و حكومته للتفاوض حول تلك الشروط رغم شعاراته في الانحياز للفقراء و المستضعفين . * كاتب و محلل سياسي