كتبه / توفيق زعفوري.. لا أحد في تونس من متابعي الشأن العام و النشطاء السياسيين مقتنع بأن تونس سنة أولى ديمقراطية، ذاك كلام إنشائي خشبي فيه قلة احترام لعقول الناس.. الفعل الديمقراطي ثقافة قبل أن يكون ممارسة و نحن لازلنا في مناخات الطبيعة لا الثقافة!!! ففي البلدان المشبعة ديمقراطية يكون المنصب أو المركز الجديد فرصة لخدمة البلد و الناخبين و تكريس برنامج أو مجموعة أفكار على صعيد الواقع، و إذا حدث أن تسرب ما يسيء للشخص أو لتاريخه أو لحزبه أو لعائلته أو لشخصه، فإنه و إحتراماً لكل ذلك يقدم إستقالته، و يتفرغ للدفاع عن نفسه أو إثبات براءته أو دحض التهم أو الشبهات أو القضايا المتعلقة به.. ذاك لم يحدث في تونس إلا في حالة واحدة هي حالة الفاضل عبد الكافي، الذي استقال من حكومة الشاهد على خلفية شبهات، قدم الرجل إستقالته و تابع قضيته إلى أن برّأه القضاء، فيما عدى ذلك مازالت الاستقالة أمرا صعبا، حتى لمن صرخ بها ثلاثا، ذات يوم لن "أستقيل، لن أستقيل لن أستقيل"... في بلدي لازالت الاستقالة تعني الطعن في الإستقامة و اعتراف بالهزيمة، تماما شبهة تضارب المصالح( التي هي ليست تهمة و لكنها وضعية )... أما بالنسبة لموضوع الساعة، فإن مسوغات الغنوشي بعد سحب الثقة منه أو محاولة تبييضه و تعداد إنجازاته فلن تنفعه في شيء لا هو و لا خصومه و متابعيه، لأن المحظور قد وقع و كان ما كان منذ تجميع ال73 إمضاء على سحب الثقة.. وقتها كان بإمكان الغنوشي المحافظة على شرفه و تاريخه و سمعته و مصداقيته، و يترك مكانه إحترام لنفسه، أولا ثم لمن سحبوا منه الثقة و قد استحال معه العمل و التواصل.. الغنوشي سقط منذ تقديم اللائحة، و ليس مذ وقع إمضائها و تدعمها من كتلة الدستوري الحر، لقد سقط مرات عديدة و تصادم مرات عديدة مع مؤسسات الدولة و تصرف في غالب الأحيان كرئيس حزب و ليس كرئيس برلمان.. الذي جعل له رئاسة قائمة الذات و هي سابقة في تاريخ تونس و في تاريخ من تداولوا على كرسي البرلمان، حتى أن نائبه الثاني طارق الفتيتي، صرح في أول جوان الماضي أنه مع مساءلة الغنوشي و أنه قد تجاوز صلاحياته و خاصة في تهنئة السراج باسترجاع قاعدة الوطية و بيّن وقتها اصطفافه وانحياز مؤسسة البرلمان إلى شق معين في الصراع الليبي، على حساب شق آخر و هو ما يحرج الرئاسة و ينسف موقف الحياد لديها.. ليس الأمر متعلقا فقط بموقف من الصراع الدائر في الجوار الليبي و لكن أيضا بكيفية إدارة الصراع في البرلمان، بتعيين الحبيب خضر رئيسا للديوان، تبين سوء التصرف في دواليب إدارة باردو و خاصة جدول أعمال بعض الجلسات، يكون الغنوشي قد هرب إلى الأمام عوض التروي و التأمل في الأمور من زاوية أخرى، ناهيك عن إنقطاع التواصل نهائيا مع رئاسة الحكومة، بحكم إنعدام الثقة بينهما و لائحة سحب الثقة من حكومة الفخفاخ، و بقي بالتالي عياشي الهمامي و جوهر بن مبارك دون مهام أصلا... اليوم و قبل يومين من تاريخ جلسة سحب الثقة نتحدث بالفعل عن أصوات تجاوزت ال109 الضرورية لسحب الثقة ، و نسمع رئيس كتلة النهضة البحيري، يتحدث عن سوق البيع و الشراء في الذمم و أموال من الخارج تدفع لمن يسحب الثقة من الغنوشي.. في تقديري لا يفيد الشاة ذبحها بعد سلخها، لانه تماما ليس من المفيد سحب الثقة من حكومة مستقيلة، كما لا يفيد سحب الثقة من رئيس برلمان ساقط أصلا من عيون التونسيين.. إذا صح فعلا تجميع أصوات تزيد عن ال 109 و سحبت الثقة من الغنوشي، فإنه يكون قد خرج من الباب الصغير، صاغرا صغيراً...