عاجل/ تونس تشارك في اجتماعات الخريف السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين    الخطوط التونسية: عروض استثنائية بمناسبة احتفالها بالذكرى 76 لتأسيسها    مطار بهذه الدولة يمنع العناق لأكثر من 3 دقائق!!    مختصّة في أمراض الكلى: ماء الحنفية يحتوي على كميات أقلّ من النترات    المنتخب الوطني التونسي لكرة القدم: فك الارتباط مع المدرب فوزي البنزرتي    رسميا: قطيعة بالتراضي بين الترجي الرياضي والبرتغالي "ميغيل كاردوزو"    كميّات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة المنقضية    عاجل/ ميناء حلق الوادي: ضبط أكثر من 1 كغ من الكوكايين على متن باخرة قادمة من الخارج    القيروان: 4 وفيات في حادث قاتل    القيروان: حادث مرور يسفر عن 6 وفيات    خمس أسباب تدفعك للاستقالة من شركة طيران خليجية    27 نائبا يمضون على مقترح تنقيح القانون الأساسي للبنك المركزي    نقابة الفلاحين تقترح على الدولة بيع لتر زيت الزيتون ب10 دينارات    بطولة الكرة الطائرة للسيدات: تعيينات مواجهات الجولة الإفتتاحية    معهد الرصد الجوي : الوضع الجوي مازال تحت اليقظة الشديدة خاصة في ولايات    الشبيكة: ثلاثة قتلى واصابة ستة أخرين في حادث مرور    الدورة السابعة من روحانيات من 30 أكتوبر إلى 2 نوفمبر    محمد صلاح يضع شرطا واحدا لتجديد عقده مع ليفربول...ماهو؟    عاجل/ الحوثيون يستهدفون قاعدة عسكرية في "تل أبيب" بصاروخ باليستي    البنك الوطني الفلاحي: ارتفاع طفيف في الناتج البنكي الصافي موفى سبتمبر 2024    الصندوق العالمي للطبيعة يدعو الى بناء المواجل لمواجهة شحّ المياه في تونس    صفاقس: إستئناف الدروس مع تأجيل الإمتحانات    رسميا: الكاف يحدد موعد الحسم في ملف مباراة ليبيا ونيجيريا    عاجل/ معطيات وتفاصيل جديدة بخصوص قيام طبيبة ببث عمليّة جراحية في المباشر على "تيك توك"..    رسمي: الترفيع في طاقة استيعاب مراكز الفحص الفني    الحرس الوطني يدعو الى توخي الحذر تحسبا لتساقط كميات هامة من الامطار بهذه الولايات    وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تنظم المشاركة التونسية في المعرض الدولي للفواكه والخضرمن 5 الى 7 نوفمبر 2025 ببرلين    المهدية: تعليق الدروس بعدد من المعتمديات بسبب التقلبات الجوية    سليانة: وضع 10 ألاف و150 قنطارا من البذور الممتازة منذ بداية الموسم بمراكز التجميع    عاجل/ بسبب الأمطار: تأجيل الجلسات بجميع محاكم هذه الولاية إلى وقت لاحق..    خاص: الترفيع في قيمة الدعم الى 11.6 مليار دينار العام المقبل    التقلبات الجوية: أبرز تدخلات الحماية المدنية خلال 24 ساعة الماضية..    محرز الغنوشي: الرجاء التنقّل الّا للضرورة القصوى بهذه المناطق    الحكم ب 20 سنة سجنا على رئيس الأسبق لدولة بيرو    بريتني سبيرز... تثير الجدل بفستان زفاف وطرحة عروس    ليلة عنيفة في بيروت... 13 شهيدا و57 جريحاً في غارة لجيش الاحتلال    تقرير: تعافي القطاع الفلاحي يدفع نمو الاقتصاد الوطني    الفنانة شيرين تدخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية..ما القصة؟    اجتماع طارئ للجامعة العربية    "أعطونا ما سرقتم منا".. ملك بريطانيا يتعرض لموقف محرج في البرلمان الأسترالي    ما هي إشارات Bookmark المرجعية، وكيف تستخدمها على باب نات؟    عاجل/ رجة أرضية بهذه الولاية..    الحماية المدنية تسجيل 484 تدخل    المهدية: لجنة مجابهة الكوارث تقرر تعليق الدروس ب7معتمديات    الدورة الثالثة لمهرجان نجع الفن...«رملة» مشروع موسيقي ضخم يجمع كريم الثليبي بزياد الزواري    ساقية سيدي يوسف ..يوم تنشيطي للترغيب في المطالعة    عملاق الزمن الجميل: جميل الدخلاوي ... وداعا    أصبح ظاهرة متفشية في مؤسساتنا التربوية .. التدخين يقتل أطفالنا في صمت !    وفاة الإعلامي جميل الدخلاوي    مستقبل قابس ينهي العلاقة التعاقدية مع المدرب عبد المجيد الدين الجيلاني    ديوان الإفتاء: إمرأة وإبنتها تعتنقان الإسلام    نادين نجيم تنفي صحة الشائعات حول انفصالها عن خطيبها    عاجل : أنس جابر تتقدم إلى المركز 32 عالميا    تأثير الكافيين على وزن الجسم والإصابة بالسكري    توزر: تواصل الحفريات الأثرية بموقع 'كستيليا' يكشف عن وجود مبان سكنية بجوار الكنيسة المسيحية    بعدك يا نصر الله، بعدك يا سنوار    يا يحي .. خذ القضية بقوة..    مفتي الجمهورية في زيارة لشركة مختصّة في انتاج زيت الزيتون البكر وتعليبه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف الجرف القاري بين تونس وليبيا:أين تذهب مداخيل نفط تونس؟
نشر في التونسية يوم 03 - 07 - 2013

ملف من إعداد: الأزهر السمعلي (خبير في المناجم وقضايا النفط)
تُمثّل منطقة الجُرف القاري أهمية قانونية واقتصادية بالنسبة لتونس باعتبارها تضم آبارا نفطية وغازية ضخمة بالإضافة إلى موقعها الجيوسياسي. وهي منطقة مُشتركة بين تونس وليبيا سبق أنْ بتّتْ محكمة العدل الدّولية بلاهاي في أحقّيتها لليبيا بمقتضى الحُكم الصادر بتاريخ 24 فيفري 1982. ويتمّ الاستكشاف وإنتاج النّفط والغاز فيها عن طريق «المشتركة للنّفط» «Joint Oil» بمقتضى الاتفاقية التي أُمضيت بين«زين العابدين بن علي» و«معمر القذّافي» سنة 1988 ببنغازي. لقد تمّت هذه الاتفاقيات بسبب العلاقات الخاصّة بين الحاكمين السابقين للبلدين التي تسبق المصالح الضيّقة على مصالح الشعبين. ولا يعلم المُواطن التّونسي شيئا عن فحواها ولا عمّا نتج عنها من مشاريع نفطية مُشتركة. فقد بقي أمرها طيّ الكتمان، ولهذا السّبب تتعدّد الأصوات المطالبة اليوم بإعلانها ومراجعتها إنْ من جانب السّلطات الليبية الجديدة أو من جانب بعض أهل الاختصاص بالبلاد التّونسية. إلاّ أنّ الحال لاتزال على ما كانت عليه سابقا فلم يطرأ جديد في هذه المسألة بعد الثّورة. وهو أمر يستدعي إعادة النّظر في هذه الاتّفاقيات وخاصّة منها ما يتّصل بإعادة رسم الحدود البحرية بين البلدين بما يخدم مصلحة الشّعبين التّونسي والليبي والمُحافظة على الثّروات النّفطية والغازية للبلدين. غير أنّ بعض الخبراء في الميدان يذهبون إلى أنّ الشّركة البترولية الكندية «Sonde Resources»، كانت كُلّفت سابقا في العهدين البائدين باستغلال منطقة الجرف القاري المسمّاة ب«رخصة 7 نوفمبر» (وهو تاريخ وصول بن علي إلى سُدّة الحكم بعمليّة انقلاب عسكري) باتفاق الطرفين ولا تزال. ولا يعرفون شيئا عن نشاطها وإنتاجها ومداخيلها ولذا يُطالب بعضهم بالشّفافية وإبلاغ المعلومة للمواطنين.
يَذكُر التّونسيون سنة 1974، مُحاولة الوحدة بين تونس وليبيا. ولكنّ الكثير منهم لا يذكُرون الأزمة المتعلّقة بالجرف القارّي الّتي أعقبت ذلك سنة 1977، نتيجة التّوتّر الحاصل على الحدود البحرية على إثر انتصاب شركة بترولية أمريكيّة يوم 28 ماي على سطح الجرف، بحراسة وحدة عسكرية ليبية في حالة استنفار قصوى تتمثّل في باخرتين ليبيتين في مواجهة باخرة تونسيّة. وقد إقترح «معمر القذّافي» في 2 جوان 1977 حلاّ تاريخيا عادلا تمثّل في الوحدة وهي عنده أحسن الحلول تُمكّن من اندماج البلدين فتسمح بتقاسم اللّيبيين والتّونسيين البترول بالجرف القارّي وبالصحراء أيضا فإنْ استحال لم ير مانعا من الحل الذي اقترحه «الرئيس الحبيب بورقيبة» وهو اللّجوء إلى التّحكيم وأضاف :« (...) فلا نخسر شيئا إذا قُمنا بالتّنقيب، بما أنّنا مُستعدون من الجانبين للالتجاء إلى التّحكيم والخُضوع لقراره(...)». ولكنّ الحكومة التّونسيّة أصرّت على الذّهاب إلى محكمة العدل الدّولية «CIJ». فانتهى الأمر بتوقيع الجانبين اتّفاقيّة حول عرض الموضوع على محكمة العدل الدّوليّة والاحتكام إليها في هذه القضيّة، تمّت المصادقة عليها يوم 27 فيفري 1978. واستمرت إجراءات التقاضي بمراحلها الكتابية والشّفوية ممهّدة لصدور حُكم المحكمة في القضية يوم 24 فيفري 1982.
وقد وُقّعت اتّفاقية بين تونس وليبيا بتاريخ 8 أوت 1988 لاستغلال هذا الجرف بإنشاء شركة للنّفط مناصفة بين المؤسّسة التونسية للأنشطة البترولية «ETAP» والمؤسسة الوطنية للنّفط «NOC» سمّيت «المشتركة للنّفط» «Joint Oil». وبعد تسلّم حركة «النهضة» مقاليد الحُكم عُيّن على رأسها «رضا التوكابري»، مديرا عاما مُساعدا. وهذا الحقل تستغلّه اليوم شركة بترولية كندية «Sonde Resources»، لا نعرف عن تصرّفها أيّ شيء. لذا نُطالب بكشف ملفّات هذه الشّركة البترولية حتى يعرف التّونسي أين تذهب ثروات الشّعب.
التنقيب عن النّفط في البحر تحوّل نوعي
مكّن التقدّم التكنولوجي بعد الحرب العالمية الثّانية خاصّة من التّنقيب عن النّفط وإنتاجه في أعماق البحار إذْ دفعت الحاجة المتزايدة إليه الشّركات البترولية الكبرى إلى الاهتمام بالأطراف البحرية للقارّات، بعد ظهور بشائر جيولوجية تُنبئ باحتوائها على النّفط والغاز. فأدّى ذلك إلى نشوب نزاعات في المناطق البحرية بين الدُّول ذات السواحل المتجاورة والمُتقابلة لاسيما الأزمات المتعلقة بمناطق «الجرف القارّي». ولم تكن قضيّة الجرف القارّي بين الجمهورية التونسيّة والجماهيرية اللّيبية بالسّابقة الدّوليّة الوحيدة. فقد أصدرت محكمة العدل الدّولية حكمها المشهور في قضايا بحر الشّمال سنة 1969، ثمّ صدر سنة 1977، حُكم محكمة التحكيم البريطانية الفرنسية. إلاّ أنّها تُمثّل أوّل سابقة للمحكمة الدّولية في مجال التّحديد البحري في دُول العالم الثالث، بل وفي هذا العالم بين دُول تربط شُعوبها أواصر مُتعدّدة منها التّاريخ المُشترك واللّغة ... ومن الطبيعي أنّ هذه النّزاعات قد غذّتها احتمالات وجود حقول نفطية وغازية في الحدود البحرية التّونسية اللّيبية (قدّرت بعض المصادر المنشورة إنتاجها السّنوي ب 20 مليون طن، أي ما يقارب ربع إنتاج الحقول البرّية اللّيبية مجتمعة آنذاك). وفي الواقع، فإنّ موضوع النّزاعات الدّائرة في المناطق البحرية بين الدّول ذات السّواحل المتجاورة والمتقابلة، إنّما هو في الحقيقة حول ملكيّة الحقول النّفطية البحرية الموجودة فيها.
ومن الضروري البدء بوصف للإطار الجغرافي العام للنّزاع المعروض على المحكمة، أي المنطقة العامّة المطلوب أن يتمّ فيها تحديد «الجرف القارّي» موضوع هذه القضية. إلاّ أنّ أحد المواضيع الجوهرية يتعلّق بتعريف المنطقة المطلوب تحديدها وبآثار هذا التعريف من الناحية القانونية قبل التعرض للتّعريف الذي تبنّته محكمة العدل الدّولية في النّزاع التّونسي اللّيبي. إنّ الغرض الوحيد من الوصف الذي سيلي هو إبراز الخلفية بإيجاز وليس وضع تعريف قانوني للمنطقة التي سيتمّ فيها التحديد ولا الإفصاح عن الكيفية التي نظرت بها المحكمة إلى مُختلف المعالم الجغرافية من حيث تأثيرها على الوضع القانوني. ولأهمية هذا التعريف في الاستنتاجات القانونية التي ارتكز عليها قرار المحكمة، نورده في هذا المقال مشفوعا بالخريطة رقم (1) مبيّنين تأثيره على الحلّ الذي أقرّته المحكمة، والغرض الوحيد من الخريطة يتمثّل في تقديم صورة عامّة للإطار الجغرافي للنّزاع دون إعطاء أهميّة خاصّة لاختيار مقياس الرّسم أو وجود أو عدم وجود أيّة معالم جغرافية مُعيّنة.
الصورة العامّة للإطار الجغرافي للنّزاع
تقع الجمهورية التّونسية والجماهيرية اللّيبية على خطّ السّاحل الشّمالي للقارّة الإفريقيّة المطلّ على البحر الأبيض المتوسّط. وتونس هي أكثر الدّولتين اتّجاها نحو الغرب. وتقع تقريبا بين خطّي العرض 30° و38° شمالا، وخطّي الطّول 7° و12° شرقا. وإلى الشّرق والجنوب الشّرقي منها تقع ليبيا بين خطّي العرض 19° و34° شمالا تقريبا، وخطّي الطّول 9° و25° شرقا. ويتّفق السّاحل الشّرقي التّونسي إلى حدّ ما، مع الطّرف الغربي. وهو مستطيل تقريبا في خطّ ساحل شمال إفريقيا، ضلعه الممتدّ من الغرب نحو الشّرق أطول من ضلعه العُمقي المُمتدّ من الشّمال إلى الجنوب في خطّ السّاحل الشمالي لإفريقيا. ويتكوّن طرفه الشّرقي من خليج سرت على السّاحل اللّيبي. وهكذا حدث على مسافة غير بعيدة غربا من نقطة «رأس أجدير» التي تبدأ منها الحدود البرّية بين ليبيا وتونس على شاطئ البحر، تغيير في اتّجاه خطّ السّاحل، وإذا تتبّع المرء ساحل ليبيا نحو تونس، لبعض مسافة قبل وبعد نقطة الحدود اتّضح أنّ الخطّ العام للسّاحل يتّجه نوعا من الشّمال إلى الغرب. وفيما بعدُ نقطة الحدود، وبعد اجتياز جزيرة جربة، يدخل المرء تجويف خليج قابس، الذي يُؤدّي إلى اتّباع خطّ مُنحَن على طول خطّ ساحلي يمتدّ على وجه التقريب، في اتّجاه شمالي شرقي، إلى «رأس كابودية». ثمّ يتبع ذلك خليج الحمّامات، ونتوؤات حلق الوادي (اتّجاه شمال شرقي تقريبا) وخليج تونس قبل بلوغ الجزء الأخير من السّاحل التّونسي، الذي يمتدّ من الغرب منحرفا إلى الشّمال ، بالرُّغم من كونه يقع أبعدُ شمالا من السّاحل على جانب «رأس أجدير» بحوالي 4° من خطّ العرض.
إنّ المنطقة المُراد تحديد «الجرف القارّي» فيها، هي تلك الواقعة بصورة تقريبية إلى الشّمال من السّاحل على جانب «رأس أجدير» والتي يحدّها غربا جزء من السّاحل التّونسي، ولكنْ لا يحُدّها من ناحية الشّرق معْلم واضح أو خطّ تحديد متّفق عليه. ومسألة أيّة مناطق يتطلّب أخذها في الاعتبار: البحر الإقليمي (الحدود الدّولية 12 ميلا) أو أيّ جزء منه محلّ خلاف بين الطرفين. وكذا الأمر بالنّسبة إلى مسألة خُطوط الأساس التي تُطالب تونس بقياس بحرها الإقليمي منها وكذلك بعض الحقوق التّاريخية التي تدّعيها. وفي ما يتعلّق بالحدود باتّجاه البحر، فإنّ كلا الطّرفين لم يعقد بعدُ إتّفاق تحديد مع مالطا، وإنْ كانت تونس قد عقدت اتّفاقية مع إيطاليا مُؤرخة في 20 أوت 1971، تتناول تحديد «الجرف القارّي» بين البلدين، وفق خطّ الوسط بالدّرجة الأولى. ولكن مع ترتيبات خاصّة لجزر «Lampedusa» و«Pantelleria» و«Linosa» و«Lampione» الإيطالية (انظر خريطة رقم1).
ادّعاءات الطرفين حول منح الامتيازات النّفطية
لم يعقد الطرفان أيُ اتّفاق يُحدّد أيّ جزء من «الجرف القارّي» أو الحدّ الجانبي لمناطق المياه الإقليمية لكلّ منهما. إلاّ أنّ ذلك لم يحُلّ دون بعض عمليات استكشاف الجرف القارّي. فقد منح كلّ من الطّرفين التّونسي واللّيبي تراخيص أو امتيازات في مناطق من «الجرف القارّي» يعتبرها بالضّرورة تابعة له. وقد صاحب ذلك قدر كبير من عمليّات الاستكشاف والتّنقيب عن النّفط والغاز. وقد كان السّند القانوني في النّزاع للجانب اللّيبي آنذاك هو «قانون البترول رقم 25 لسنة 1955 ولائحته (رقم1)». غير أنّ عمليّات الإنتاج الأولى تمّت على اليابسة ولم تمنح ليبيا أوّل امتياز استغلال بحري إلاّ سنة 1968 (يحمل الرّقم 137 يقع باتّجاه شرق الخطّ الممتد باتجاه جنوب/جنوب غرب من النّقطة 33.55° شمالا 12° شرقا إلى نقطة تبعد حوالي «ميل بحري واحد» من السّاحل وزاويته من «رأس أجدير» تبلغ 26°). وبين سنتي 1968 و1976 تمّ حفر 15 بئرا في منطقة إمتياز بحري ثبتت انتاجية عدد منها. ولكنّ تونس كانت منحت أوّل امتياز بحري لها سنة 1964. وقد تضمّن عقد امتياز منحته تونس سنة 1972 ما يُفيد بأنّ حدوده من الناحية الجنوبية الشّرقية هي «الحدود البحرية بين تونس وليبيا» فظلّ الوضع غير محدّد. وفي عام 1974، عيّنت حدود الامتياز المعني على أنّها جزء من : «خطّ الأبعاد المتساوية (...) المحدّد وفقا لمبادئ القانون الدّولي في انتظار عقد اتّفاق بين تونس والجماهيرية اللّيبية يعيّن حدود ولاية كلّ منهما على «الجرف القارّي». وفي السّنة ذاتها منحت ليبيا امتيازا كان حدّه الغربي (بما يتّفق مع امتياز سابق) خطّ مرسوم من «رأس أجدير»، بزاوية (26°) من خطّ الطول تقريبا، أي خطّ يقع أبعد إلى الغرب من خطّ الأبعاد المتساوية، فكانت النتيجة تداخل مطالب الطّرفين في منطقة تبعد عن السّاحل بمسافة 50 ميلا تقريبا. وعلى إثر احتجاجات كلّ حكومة على نشاطات الأخرى سنة 1976، أدّت محادثات دبلوماسية إثر الوساطة التي قام بها الأمين العام الأسبق لجامعة الدّول العربية «محمود رياض» إلى توقيع الاتّفاقية في 10 جوان 1977، والتي تمّ بموجبها إحالة الموضوع إلى المحكمة. وبعد أن بدأت الاجراءات أمام المحكمة، لم تتوقّف الشّركة البترولية الأمريكية عن أنشطة التنقيب ممّا أدّى إلى احتجاج كلّ طرف على الآخر. وقد كان لهذه الشّركة البترولية الأمريكية التي لم يكن لها أيّ تاريخ في حلقات الصّناعة البترولية العالمية، دور هام في إشعال فتيل الأزمة بين البلدين لأنّها كانت مؤمّنة.
فعمدت تونس إلى المطالبة بحدود بحرية على امتداد السمت الرّأسي (45°)، في إطار تشريع يرمي إلى حماية مصالحها في صيد الأسماك والاستفادة من الإسفنج. وطالبت ليبيا بحدود بحرية تمتدّ في اتّجاه الشمال (للاتّجاه العام للحدود البريّة التي أقرّتها اتّفاقية 1910) في إطار تشريع يتعلّق بمصالحها في مجال «الهيدروكربونات»، وفقا للقانون عدد 25 لسنة 1955 المؤرخ في 29 أفريل 1955 قانونا واللائحة البترولية رقم (1) المؤرخة في 15 جوان 1955 وكلاهما نشرا بالجريدة الرّسمية للمملكة اللّيبية.
لقد ذكرنا سابقا، الاتّفاقية الخاصّة التّونسية اللّيبية المبرمة في طرابلس سنة 1978. وبموجب المادّة الأولى من هذه الاتّفاقية الخاصّة، فإنّ المطلوب من المحكمة، في المقام الأوّل، هو أن تبيّن «مبادئ القانون الدُّولي وقواعده التي يمكن تطبيقها لتحديد منطقة الجرف القارّي» التّابعة لكلّ من البلدين المعنيين. ومطلوب من المحكمة بصفة محدّدة أن تأخذ في اعتبارها عند اتّخاذها قرارها، العوامل الثلاثة التّالية:
- مبادئ الإنصاف،
- الظروف الخاصّة التي تتميز بها المنطقة،
- الاتّجاهات الحديثة المقبولة في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث لقانون البحار.
حُكم المحكمة بشأن «الجرف القارّي»
مهّدت لهذه القضية، كما تنصّ على ذلك الإجراءات أمام محكمة العدل الدوليّة المرحلة الكتابية التي تمثّلت في إيداع وتبادل مذكّرات ثلاثة (3) مع ملاحق فنّية ووثائقية خلال الفترة الممتدّة بين 30 ماي 1981 و15 نوفمبر 1981. وفي يوم 14 أكتوبر 1981، عقدت المحكمة جلسة سرّية، عرض خلالها وكيل تونس شريطا سينمائيا عن «الجرف التّونسي وخليج قابس: المُرتفعات التي تنحصر فيها المياه عند الجزر» وقد سبق أن أتيحت لوكيل الجماهيرية اللّيبية فرصة دراسة هذا الشّريط فأشار إلى أن لا اعتراض له على عرضه. وتقدّمت الحكومة المالطية بطلب إلى المحكمة للسّماح لها بالتدخّل في القضية. وبحكم مؤرخ في 14 أفريل 1981 رأت المحكمة عدم قبول طلب مالطا.
بدأت بعد ذلك وبتاريخ 14 سبتمبر 1981 مرحلة المرافعات الشفوية لتستمرّ حوالي 6 أسابيع ممهّدة لحجز القضية للتّداول ثمّ صدور الحُكم في 24 فيفري 1982 وذلك في جلسة علنية. وقد جاء في هذا الحكم:
إنّ تحديد «الجرف القارّي» هو موضوع اهتمام المحكمة المباشر، والذي من أجله تطلب منها الاتّفاقية الخاصّة بين الطّرفين أن تبيّن مبادئ القانون الدُولي وقواعده الواجبة التطبيق وطريقة تطبيقها على التّحديد في هذه القضية وبناء على ذلك، فإنّ هذا الحُكم لم يتناول مسائل أخرى تتعلّق بالنّظام القانوني العام للجرف القارّي كادّعاء تونس مثلا «بحقوق تاريخية» و«مناطق الصّيد» إلاّ بالقدر الذي تراءى للمحكمة أنّه ضروري لغرض ذلك التّحديد. وعند قيامها بذلك، ذكّرت المحكمة بالتطوّر التاريخي لمفهوم «الجرف القارّي»، منذ بدايته في إعلان ترومان المُؤرخ في 28 سبتمبر1945، مرورا باتّفاقية جنيف لعام 1958 وقضايا «الجرف القارّي» لبحر الشّمال وما جاء في الفقه في هذا الخصوص فيما بعد، وحتى مشروع اتفاقية المؤتمر الثالث لقانون البحار، وتطوّره في ممارسات الدّول. وقد أيّدت المحكمة وطوّرت تلك المبادئ والقواعد العامّة التي ما لبثت أن ترسّخت. وواضح أنّه يجب النظر والحكم في أيّ نزاع حول الجرف القارّي، حسب أوصافه الخاصّة ومُراعاة ظروفه المميّزة.
لا يُوجد ضمن هيئة المحكمة قاض يحمل الجنسية التّونسية أو اللّيبية. لكنّ كلّ من الطرفين اختار قاضيا خاصا للجلوس في القضية. ففي 14 فيفري 1977، عيّنت الجماهيرية اللّيبية السيّد «Eduardo Jiménez de Aréchaga» وفي 11 ديسمبر1979، عيّنت تونس السيّد ينس إيقنسن. وفي 7 فيفيري 1980، أبلغ الطرفان المحكمة بعدم وجود اعتراض هذين التعيينين. وبأمر مؤرّخ في 16 أفريل 1981، حدّد رئيس المحكمة موعدا لإيداع ردود الطرفين وتمّ تداول ذلك في الموعد المحدّد. وفي الأيام الممتدة من 16 إلى 18 سبتمبر، ومن 21 إلى 25 سبتمبر، ومن 29 سبيتمبر إلى 2 أكتوبر، ومن 5 إلى 9 أكتوبر، ومن 13 إلى 15 أكتوبر، ومن 19 إلى 21 أكتوبر 1981،عقدت المحكمة جلسات علنية استمعت فيها إلى ممثلي الطرفين التالية أسماؤهم :
عن تونس :
- الأستاذ سليم بنغازي،
- العميد الصادق بلعيد،
- السيد Robert Jennings مستشار الملكة (QC)،
- الأستاذ René-Jean Dupuy،
- الأستاذ Michel Virally،
- الأستاذ Georges Abi-Saab ،
- الأستاذ عياض بن عاشور،
- الأستاذ Dupuy Pierre-Marie ،
- الأستاذ Robert Laffitte،
- الأستاذ Carlo Morelli،
- الحبيب الأزرق.
وعن الجماهرية الليبية :
- كامل ح. المقهور،
- الأستاذ Derek W. Bowett، مُستشار الملكة (QC)،
- الأستاذ Herbert W. Briggs،
- الأستاذ Claude-Albert Colliard،
- الأستاذ Keith Hijhet،
- الأستاذ Antonio Malintoppi،
- الأستاذ Sir Francis Vallat ، مستشار الملكة (QC).
وقد اختارت اللّجنة التّونسية برئاسة «العميد الصادق بلعيد» و«الديبلوماسي نجيب البوزيري» أن تستند في دفاعها على التّاريخ والجيومورفولوجيا وعلى الحقوق الّتونسية في صيد الإسفنج، فيما اعتمدت الجماهيرية اللّيبية في دفاعها على الجيولوجيا وتحرّك الطبقات الأرضية. وفي 24 فيفري 1982، حكمت محكمة العدل الدّولية بلاهاي لفائدة الجماهيرية اللّيبية بكامل الجرف القاري بأغلبية (10) أصوات مقابل (4). فذهب «العميد الصادق بلعيد» إلى أنّ حُكّام محكمة العدل الدّولية في لاهاي مُنحازون : «(...) تابعون لبلدان لها مصالح استراتيجية وسياسية واقتصادية في ليبيا. لكنّنا في تونس احترمنا العُرف الدُّولي(...)». وعلى إثر هذا الحدث علّقت جريدة«Le Monde» » الفرنسية الصادرة في 25 فيفري 1982 بما يلي : «لا يُنازع أحد في أن وزن النّفط اللّيبي أثقل من الإسفنجات التّونسية».
وتقدّمت تونس لمحكمة العدل الدّولية بلاهاي بطلب في إعادة النّظر في الحُكم قصد تعديله لكن وبتاريخ 10 ديسمبر 1985 صدر حكم يقضي برفض الدعوى القضائية وتقبلت تونس الحكم للمرّة الثانية بكل مرارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.