خلافا للتوقعات، لم تختطف فضيحة "دومينيك ستروس كان" الأضواء من الدورة الرابعة والستين لمهرجان كان السينمائي، وكان واضحا أن الشارع الفرنسي لم يفاجئه كثيرا ما حدث وكان يتوقع أن هذا الرجل الذي يحمل تاريخا في التحرش والاعتداء الجنسي أن يقع في فخ المحاكم إذا وجد في الصيد الذي يختاره من الجميلات، الفاتنات شيئا من العفة والشرف... وهو ما حدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية أين حاول اغتصاب سيدة رفضت حتى الآن الحديث إلى وسائل الإعلام... الغريب أن روح التشفي بدا واضحا في تعليقات الصحافة الفرنسية على فضيحة مدير صندوق النقد الدولي، فلم ترد احتمالات براءته على الرغم من حادثة سابقة تورط فيها هذا الرجل في تحرش صحافية وكذبتها التحقيقات لاحقا... أما التلفزات الفرنسية فتمحور كلامها حول نهاية الطموحات السياسية ل"دي آس كا" في خلافة الرئيس الفرنسي الحالي "ساركو"، بعد هذه الفضيحة التي لن تمنعه من عشرين سنة من السجن إذا ثبت حدوثها... وحاولت التلفزات الفرنسية أن تلتقي بضحية "دومينيك ستروس كان" ولما لم تنجح في ذلك قامت بعدد من التحقيقات مع العاملين في الفندق نفسه ومع أصدقائها المقربين وتوصلت إلى أن هذه السيدة امرأة جميلة جدا ومؤدبة ومحافظة، ومخلصة في عملها في تلميح إلى حسن سيرتها وسلوكها وصدق تفاصيل هذه الفضيحة المدوية... هذا "دومينيك ستروس كان" أقوى رجل في العالم، يتحكم في المجاري المالية الدولية، أحد رموز الحزب الاشتراكي، والمرشح الأكبر لخلافة "نيكولا ساركوزي" في انتخاباته القريبة القادمة، يقاد إلى السجن بتهمة محاولة اغتصاب عاملة في الفندق، لم يمنعه نفوذه وسلطاته الواسعة من الإفلات من قبضة البوليس في بلد يحترم مواطنيه ويصون شرفهم... أما عندنا فتغتصب المرأة حقيقة ومجازا، وإن تكلمت فستحمل معها فضيحتها العمر بكامله، وإن صمتت اختنقت داخل جروحها التي تزداد تورما كل لحظة... في مدينة "نيس" الفرنسية جرحتنا عبارة كتبت عليها باللغة الفرنسية على ظهر كرسي في أحد القطارات: "تونس_كراهية"، وفهمنا بعد ذلك سر هذه الكراهية من خلال العدد الكبير للتونسيين ممن احتلوا هذه المدينة الفرنسية، ولذلك واجه الحارقون من "لامبيدوزا" ممن نجحوا في التسلل إلى المدن الجنوبية الفرنسية وحشية من شرطة الحدود الفرنسية وقسوة من المواطنين الفرنسيين الذين يصرخون في وجوههم: "عودوا إلى وطنكم... ماذا تفعلون في بلدنا؟" كما حدثنا أحد "الحارقين" الذي فتح قلبه ليكشف لنا عن أسباب "حرقته" إلى لامبيدوزا وتسلله فيما بعد إلى "نيس" فقال إنه كان مسجونا لمدة 7 سنوات بتهمة استهلاك المخدرات، وأقسم أنه فعلها مرة واحدة، ولما هرب من السجن يوم 14 جانفي بمساعدة مدير السجن، ظل في منزله حتى قرر الهروب إلى "لامبيدوزا" خوفا من إرغامه على العودة إلى السجن... وتساءل هذا الشاب "توة عماد الطرابلسي اللي لقاووه مبقبق بالمخدرات ويبيع فيه يحكموا عليه بعامين أكاهو، وأنا اللي تكيفت مرة واحدة يحكموا علي ب7 سنين؟؟" تذكرت كلام هذا الشاب وأنا أشاهد صور "دومينيك ستروس كان" يقاد إلى السجن كغيره من المجرمين... تذكرت هذا الكلام وفهمت لماذا نحن من دول العالم الثالث...