سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سياسة التقشف لا يجب أن تمس المواطن بل مؤسسات الدولة من رئاسة جمهورية ورئاسة حكومة ومجلس تأسيسي ووزارات... الطاهر صيود الوزير والسفير السابق لدى الاتحاد الأوروبي ل«الصباح»:
لا يمكن الخروج من الازمة إلا عبر مراجعة منظومة الدعم وإصلاح المنظومة البنكية الوضع الاقتصادي والسياسي التونسي الرّاهن وعلاقة بلادنا بصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي وسبل الخروج من الأزمات التي تعيشها ثونس كانت محورهذا اللقاء الذي جمعنا بالسيّد الطاهر صيود وزيرالتجارة الأسبق وسفير تونس سابقا لدى الاتحاد الأوروبي ومساعد محافظ البنك المركزي سابقا والمسؤول والخبير الاقتصادي والمالي حاليا.. الطاهرصيود لم يخف انشغاله من الوضعيّة الاقتصادية والمالية والسياسية للبلاد وانشغاله من حالة المستهلك وسياسة التفقيرالتي أثقلت كاهل المجتمع وعبّرعن شكوكه في خطط الإصلاح الرّاهنة... وفيما يلي نصّ الحوارمع السيّد الطاهر صيود: حذّر صندوق النقد الدولي في بيانه الأخير من خطورة تعمّق الأزمة الاقتصادية وطالب بالقيام بجملة من الإصلاحات لتجاوزالمرحلة، فكيف قرأت البيان الصادر عن الصندوق؟ - استبشر صندوق النقد الدولي وكذلك المؤسسات المالية العالمية والمستثمرون بنجاح انتخابات 23 أكتوبر 2011 وانتظرالجميع أن تحقق الحكومات المتعاقبة الأهداف التي قامت من أجلها الثورة وعبّروا عن استعدادهم لتقديم كل الدّعم لتونس خلال فترة الانتقال الديمقراطي؛ وبادرصندوق النقد الدولي بتقديم قرض قيمته 2.7 ملياردينار وسارع بصرف قسط أول قيمته 240 مليون دينار ثمّ انتظر ما ستؤول إليه الأوضاع لكنه فوجئ بتراجع ملحوظ على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وأنا أعتبرأن بيان الصندوق هو تحذير للحكومة من مغبّة تواصل الأزمة السياسية التي اعتبرها السبب الأساسي لتردّي الأوضاع الاقتصادية؛ وأعتقد أنه من واجب الأطراف السياسية إيجاد حلول عاجلة للأزمة الرّاهنة..
قدّم صندوق النقد الدولي عدّة شروط لمواصلة دعم تونس خلال الفترة القادمة سيما بعد مطالبة الحكومة بالحصول على قرض ثان، فهل يمكن أن نعتبرهذه الشروط منطقية بالنظرإلى الوضع الحالي؟ - هذه الشروط ليست بالجديدة؛ فقد تعهّد رئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي بالعمل على إنجاح هذه المرحلة وقدّم العديد من الوعود الى صندوق النقد الدولي وإلى الاتحاد الأوروبي أيضا لكن للأسف كل ما قاله كان مجرّد تلميع لصورته وصورة حزبه حيث لم تتخذ أية إجراءات جديّة من شأنها طمأنة شركائنا. وبالنسبة إلى الشروط التي قدمّها صندوق النقد الدولي أعتبرها منطقية وضرورية؛ فلا يمكن أن نحقق نقلة إلا عبرمراجعة منظومة الدّعم ومن ثمّة صرف المبالغ الضخمة المرصودة لها على تحقيق التنمية في الجهات المحرومة وخلق مواطن شغل. وطالب الصندوق ايضا بإصلاح المنظومة البنكية التي تعيش بدورها أزمة حقيقية بالنظرإلى التمويلات التي تضخّ يوميا لإنعاش البنوك التي تعاني من أزمة خانقة، هذا دون نسيان المطالب التي تتعلق بالتقليص من التضخّم والذي أضّربجيب المواطن وقدرته الشرائية. كونك سفيرا سابقا لدى الاتحاد الأوربي ومازلت على علاقة جيّدة بهذا الهيكل، ما موقف الاتحاد ممّا يحدث في تونس؟ - موقف الاتحاد الأوربّي لا يختلف عن موقف صندوق النقد الدولي اذ بلغتني مراسلات من الاتحاد يعبّر فيه عن انشغاله العميق بالوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تردّت فيه تونس، حيث اعتبرالاتحاد أن وعود حكومات ما بعد الانتخابات كانت مجرّد ذرّ الرماد على العيون للحصول على القروض والدعم لكن مع عدم قدرتها على مجابهة المخاطر التي تتهدّد البلاد سيّما مع تنامي ظاهرة الإرهاب وضعف المعالجة الأمنيّة وعدم القدرة على حلّ الأزمة السياسيّة وإنهاء هذه الفترة الانتقالية التي اعتبرالاتحاد أنها طالت واعتبرذلك مؤشرا خطيرا قد يؤدّي إلى الانزلاق في دوّامة العنف الإرهابي والسّياسي ممّا سيحول دون تحقيق التنمية وإنجاح الانتقال الديمقراطي. وقد أكدت لي عديد الأطراف أن الاتحاد الأوروبي سيواصل دعمه لتونس؛ فهو ينتظر فقط مؤشرات ايجابية عبرإيجاد حلول جذريّة للخروج من الأزمة الرّاهنة خاصة السياسيّة منها. تحدّث وزيرالمالية عن إمكانية تطبيق سياسة التقشف، هل يمكن اعتبارسياسة التقشف حلاّ للخروج من الأزمة الحالية؟ - أعتقد أنه ليس من الصائب الزجّ بالمواطن في سياسة تقشف قد تطول كونه يعاني الأمرّين بسبب الارتفاع المتواصل للأسعارجعلت التونسي غيرقادر على توفيرأبسط حاجياته. فسياسة التقشف يجب أن تطبّق في المقابل على مؤسّسات الدّولة من رئاسة الجمهورية إلى رئاسة الحكومة إلى المجلس التأسيسي وكل الوزارات دون استثناء. من جهة أخرى يجب حسم ملف التهرّب الجبائي الذي يدرّ عائدات هامة على خزينة الدولة، إذ يجب أن تتعامل الحكومة بالجديّة اللازمة مع هذا الملف، دون نسيان صرف بعض الوزارات للمليارات من العملة الصعبة في غيرمحلها. هل تقصد هنا وزارة التجارة؟ - وغيرها فهي تفاجئنا في كل مرّة بصرف الملايين من العملة الصّعبة لأسباب غير منطقية على غرار استيراد الخروف الإسباني وقبله الرّوماني، وهوما أعتبره إهدارا للمال العام سيما وأنّ تونس معروفة بإنتاجها للخرفان وهي تصدرلبعض الدول الشقيقة. فما حصل مؤسف جدّا ويضرّ بالميزان التجاري. يحمّل البعض وزارة التجارة مسؤولية ارتفاع أسعارالمواد الغذائية، وقد توليتم فيما مضى هذه الحقيبة...؛ ألا تعتقدون أن هذه الاتهامات مبالغ فيها؟ - دون شكّ تتحمّل وزارة التجارة مسؤولية التضخم الذي تشهده الأسعارلعدّة أسباب أهمّها عدم تخزينها لكميّات من المواد الاستهلاكية الأساسية من أجل تعديل السوق، ومن واجب الوزارة أيضا مراقبة مسالك التوزيع والضرب على أيدي المتلاعبين بالأسعارفي ظل شبه غياب للمراقبة الاقتصادية. أضف إلى ذلك تنامي تهريب منتوجاتنا إلى الدول المجاورة وسط تغافل السلط المعنية عن هؤلاء ودون مجابهة هذه الظاهرة بقبضة من حديد. وما يثيرالاستغراب هو إقدام الوزارة على تصدير بعض المواد الاستهلاكية على غرارالحليب الذي يصبح غير متوفرأحيانا وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. على غرارالتجارة، تعاني السّياحة من عدّة مشاكل بعد عزوف أهم الأسواق الأوروبية عن الوجهة التونسية على غرارالسوق الفرنسية، لماذا حسب رأيك تردّى القطاع السّياحي إلى درجة اعتباره قطاعا منكوبا؟ لا يختلف إثنان أن السياحة هي إحدى ركائز الاقتصاد التونسي بما أنها الوجهة المفضلة للأسواق الأوروبية وهي منجمٌ للعملة الصعبة، ويُعزى هذا التردّي لعدّة أسباب منها الهاجس الأمني الذي أصبح يقلق السائح سيما مع تنامي ظاهرة الإرهاب والاغتيالات التي طالت سياسيّين بارزين وحتّى عسكريين، دون التغاضي عن تواصل الأزمة السياسية وعدم وضوح الرؤيا وهوما يعكس صورة سلبيّة لدى السائح. كل هذا يستوجب حلولا عاجلة وجذريّة لإنقاذ القطاع الذي أصبح مهدّدا. أمام تعمّق الأزمة الاقتصادية وجدت الحكومة نفسها مجبرة على مواصلة سياسة التداين، فهل من حلول أفضل للخروج من الوضع الراهن؟ - الانزلاق في التداين ليس حلا بقدرما هو مشكل قد يؤدي إلى نتيجة عكسيّة وهي تعمّق الأزمة الاقتصادية بما أن مديونية الدولة سترتفع إلى درجة يستحيل معها تسديد القروض التي تحصلنا عليها. واذا ما تواصلت سياسة الاقتراض قد تصبح تونس أداة طيّعة في يد المؤسسات البنكية العالمية التي ستتجرأ على فرض سياساتها علينا وهذا مرفوض حيث ستصبح شروطها جدّ مجحفة بحيث يستحيل معها الاستجابة لكل مطالبها. وأنا أستغرب سيرالحكومات على نفس المنوال وهو منوال الاقتراض الذي لا يهدف إلى خلق مشاريع تنمويّة وإدخال إصلاحات جذريّة على القطاعات الحيويّة بل لتغطية عجزميزان الدفوعات، وخيردليل التحذير الذي أطلقه محافظ البنك المركزي الذي أكد أنه إذا ما تواصل الحال على ما هوعليه بين الفرقاء السياسيّين فإن الدولة ستصبح غير قادرة مع نهاية 2013 على تسديد رواتب موظفيها وهو تحذير خطيرجدّا. ما هو حسب رأيك الحلّ لإنهاء الأزمة الرّاهنة؟ - لإنهاء هذه المرحلة لا بديل لنا عن التوافق بين مختلف الأحزاب والحساسيّات السياسية، اذ يجب تكوين حكومة كفاءات ترأسها شخصية وطنية غير متحزّبة تمنح لها كل الصلاحيات لاتخاذ الإجراءات اللازمة سيما مراجعة التعيينات، كما يجب أن يقتصر دور التأسيسي على إنهاء الدستورفي أقرب الآجال ويفسح المجال الى تكوين هيئة عليا للانتخابات تتكون من كفاءات وخبرات ولا تحتكم الى المحاصصة الحزبية وهو ما سيضمن نزاهتها بما أنها ستترجم إرادة الشعب..