تناولت بالتحليل في الحلقتين السابقتين من هذا الركن ابعاد القرار الشجاع النابع من واعز وطني نبيل للدكتور الشاذلي زويتن حين عيّن المدرب التونسي الهاشمي الشريف على المنتخب الوطني والترجي الرياضي في وقت واحد.. وكيف أهدى هذا الفني تونس اول وأعظم انجاز كروي ورياضي يعد الأثمن والأغلى بما انه جاء بعد أربع سنوات فقط من استقلال البلاد.. بعد ذلك الانجاز العملاق تتالت الخيبات مع المدربين الأجانب (كريستيك وماطوسيك واندري جيرار) ليحل ركب المناضل والرياضي الاصيل فؤاد المبزع ليتسلم مقاليد الجامعة التي كانت والحق يقال في حاجة أكيدة وماسة الى تغيير.. فاعتمد طريقة مدروسة وفق برنامج عمل دقيق ومحدد لبلوغ الأهداف المنشودة وتحقيق الأغراض الموعودة من أجل هدف وطني مشترك (نسج خيوطه الدكتور الشاذلي زويتن) ويتمثل في تكوين منتخب عتيد يشرف تونس في المحافل الاقليمية والقارية والدولية. ومن أول وهلة وبكل روح وطنية واعترافا بالجميل لكل من قدم أعمالا جليلة لفائدة الرياضة وكرة القدم خاصة، عين فؤاد المبزع المرحوم المختار بن ناصف على رأس هذا المنتخب خلفا للمدرب اندري جيرار وذلك من اجل اعداد العدة للألعاب الافريقية 64 وبصفة خاصة التحضير الجيد والمدروس لنهائيات كأس افريقيا للأمم 1965 بتونس والتي غذّينا طموحا مشروعا للظفر بها لاول مرة في تاريخ كرتنا ولتجسيد هذا الطموح تجنّد المسؤولون على مختلف المستويات والطاقم الفني والطبي والاداري واللاعبون والجمعيات الممولة للمنتخب وكافة الرياضيين والتونسيين بمختلف شرائحهم ومشاربهم لمعاضدة ومساندة فريقهم كالرجل الواحد فلقد كان حلما لذيذا راود كل التونسيين وظل يدغدغهم الى غاية يوم 21 نوفمبر 1965 وتحديدا الى الدقيقة السادسة من الحصة الاضافية الأولى لمقابلة الدور النهائي للمنتخب الغاني العتيد حين سجل الهدف الذي اختطفه اللاعب «أودي» مع العلم ان الحصتين الاضافيتين دارتا تحت الأضواء الكاشفة التي يبدو أنها ابهرت الحارس الاسطورة الصادق ساسي (عتوقة) وحجبت عنه الرؤية فتسبب ذلك في قبوله الهدف الثالث والقاتل بعد أن انتهت المباراة في وقتها الاصلي بالتعادل (2-2).. ولا يخفى على أحد كم كان الرهان على مدرب تونسي صعبا وقبوله شبه مستحيل لكن نجاح وتألق المختار بن ناصف وأشباله الأفذاذ اثبت قدرة الفني التونسي وجدارته في فنون التدريب وعالم التمرين وكان أول من يصل بالمنتخب الى نهائي كأس افريقيا ولم يفعلها من بعده سوى البولوني كسبرجاك في جنوب افريقيا ولكن وللأسف الشديد بعد 31 سنة بالكمال والتمام (بدون تعليق) وبقدرما كانت الخيبة مريرة ومحبطة ومؤلمة استبشرنا لميلاد منتخب عظيم بقيادة ممرن تونسي لحما ودما كان من الرواد الافارقة والعرب الذين احترفوا اللعب في اوروبا في اواخر الاربعينات وبالتحديد ضمن فريق نيس الفرنسي اين احرز معه على البطولة والكأس وكان يضم منتخبنا لاعبين متيّمين بحب الوطن العزيز وهم عتوقة، الدويري، البنزرتي، لامين، حباشة، عجل، ساسي، الشايبي لحمر قريبع، الجديدي وبالطبع الركيزة الثابتة وقائد الفريق عبد المجيد الشتالي.. ومن بين هؤلاء سنجد ما لا يقل عن نصفهم في منتخب 1967 الذي شارك في ألعاب البحر الابيض المتوسط بتونس وانتهت مشاركتنا بانسحاب مرير اثر مقابلة فاصلة جراء عملية القرعة اللعينة ضد المنتخب الاسباني بكامل نجومع المحترفين، وتم تعويض المرحوم بن ناصف (الذي لم تنصفه الجامعة ولم تقم حتى بواجبها تجاهه عند وفاته) بالمدرب سريطا ثم رادوسيجيك الذي قاد المنتخب في المباراة الفاصلة والترشيحية لكأس العالم 70 التي دارت بمرسيليا (أرض محايدة) يوم 31 ماي 1969 بادارة الحكم الفرنسي كيطابدجان وانتهت ايضا بالتعادل هدفين من الجهتين (الشابي د3 وشمام د86). ومرة اخرى كانت عملية القرعة قاسية ومؤلمة ومخيبة للآمال.. لتنتهي معها مهلة رئيس الجامعة آنذاك الباجي المستيري ليخلفه في نفس المنصب أحمد زويتن شقيق الدكتور الشاذلي زويتن الذي عمل جاهدا على امتداد موسمين من أجل احياء جذور القيم والأخلاق الحميدة والروح الوطنية التي غرسها وطهرها أخاه الأكبر. واتضح بالملموس مدى تعلقه بالكوادر التونسية وايمانه الراسخ بكفاءتهم وثقته الكبيرة في قدراتهم وعلمهم ومعرفتهم فأتاح الفرصة للشاب عامر حيزم الذي واجه جبابرة كرة القدم الأوروبية والعالمية في منتخب يوغسلافيا وما أدراك وانهزم بهدف يتيم بعد مقابلة بطولية امام 56 ألف متفرج في ملعب ازمير (شبابيك مغلقة) وتحصلنا على اول ميدالية فضية باشراف ممرن تونسي قدير قدم الكثير ومهّد الأرضية الخصبة لمنتخب الأرجنتين، لأن النجاح الخالد والأبدي الذي حققه منتخب كرة القدم سنة 1978 لا يحسب للشتالي وتوفيق بن عثمان واللاعبين فحسب بل لكل من ساهم وعاضد وساند معنويا وماديا وكل من ضحّى بالغالي والنفيس من أجل رفع راية تونس خفاقة بين الأمم.. فمنتخب 78 لم يولد من عدم بل تم انجابه على مهل بتدرج وصبر واتزان وتعقل.. ليعود لمجدة وبن عثمان شرف فتح الابواب على مصراعيها بملحمة وهبت الافارقة مقعدا ثانيا في نهائيات كأس العالم. ثم انتظرنا 20 سنة بطم طميمها لنترشح ثانية الى كأس العالم 1998 مع أول أجنبي وهو كاسبرجاك... وللحديث بقية باذن الله.