كما كان متوقعا لم يقدم تقرير الجنرال بيتراوس والسفير كروكر جديدا ولم يتجاوز حدود المتداول وما يردده الجميع حول المشهد العراقي المتردي كيفما قلبته داخل وخارج العراق، باستثناء تلك الفئة من القيادات السياسة والعسكرية الامريكية التي لا تزال ترفض الامر الواقع وتصر على الترويج لانتصارات وانجازات لا يراها غيرها وينكرها حتى كبار المساعدين والمخططين لتلك الحرب، ممن اختاروا رمي المنديل والاستقالة والتهرب من المواجهة.. تماما كما بات يسخر منها اعوانها واولئك الذين نسبوا انفسهم الى العراق ممن جاءت بهم واشنطن الى بغداد على ظهور الدبابات لمساعدتها على الاحتلال والذين باتوا اليوم يسجلون اعترافاتهم بالخطإ الجسيم للاحتلال.. والواقع ان العنصر الجديد الوحيد في هذا التقرير انه سيضيف عددا اخر في قائمة التقارير والدراسات والبحوث وما صاحبها من سبر للآراء واستطلاعات للرأي حول العراق الذي سيتحول مرة اخرى الى موضوع للجدل المثير في سباق الانتخابات الرئاسية الامريكية التي توشك على السقوط في الرتابة والركود الممل لتمنح المتنافسين فضاء اوسع لاستقطاب الناخبين ومحاولة التاثير عليهم كل من موقعه قبل موعد الحسم... لقد اخطأ من كان يتوقع جديدا في تقرير الجنرال بيتراوس والسفير كروكر، واخطأ ايضا من اعتقد ولو للحظات ان عرض هذا التقرير امام اللجنة العسكرية في مجلس الشيوخ سيحمل في طياته استراتيجية جديدة قادرة على اخراج العراق مما هو فيه من تدهور امني ومخاوف يومية ومخاطر الانقسام والتفتت.. فالتقرير الذي تأجل عرضه مرة بعد مرة لم يخرج عن اطار تقارير كثيرة سابقة حاولت عبثا رصد ما تم تحقيقه في العراق من انجازات فوجدت ان الوضع اشد واخطر من ان يحدد في صفحات بيضاء لا تحمل دليلا على البراءة.. بل ان الحقيقة انه حتى ذلك البند الذي صنف بالسري فيه والخاص ببقاء القوات الامريكية في العراق لم يكن بالامر الجديد او المفاجئ لمتتبع المشهد العراقي، وهو يدخل في اطار احد الاهداف المعلومة التي رافقت اجتياح العراق قبل خمس سنوات، حيث كانت التقديرات ولا تزال تؤكد ان احتياطات النفط العراقي قد تتضاعف مع وجود مخزون هائل يفوق المائة مليار برميل تحت المنطقة الغربية السنية.. وقد كشفت دراسة حديثة ان العراق مؤهل لتخطي ايران ليصبح ثاني اكبر ثروة نفطية بعد السعودية مع احتياطي يتجاوز المائتي مليار برميل.. والسؤال المطروح الآن هل كان الامريكيون يقبلون على احتلال هذا البلد لولا ثروته النفطية وموقعه الاستراتيجي؟ والجواب طبعا لن يتأخر اكثر مما تأخر ولا شك ان الاسباب والدوافع المدونة في ارشيف وتقارير الاستخبارات السرية الامريكية ستجد طريقها يوما الى النشر... والحقيقة ان صدور هذا التقرير عشية الذكرى الخامسة لسقوط بغداد انما يحمل في طياته اشارات كثيرة اذ بين تاريخ اجتياح العراق وتاريخ سقوط بغداد اكثر من محطة غيرت وجه بلاد الرافدين ومصير اجيال متعاقبة فيه لم تعرف طوال سنوات غير الحروب والحصارات والاهانات والضياع.. وهي بالتاكيد اجيال لن يختفي وقع الاحتلال ومآسيه الكثيرة من ذاكرتها قبل انقضاء عقود طويلة قد تتجاوز بكثير ما استوجبه تخفيف الذاكرة الفيتنامية من أهوال حرب فيتنام.. اما التخلص من تلك الذاكرة فهو بالتاكيد قد لا يتحقق قبل اجيال متعددة وليس قبل تحول فيتنام الى يابان جديد... لقد جاء تقرير بيتراوس كروكر ليؤكد مجددا بأن مأزق الادارة الامريكية الراهنة يتفاقم وان المستنقع يتسع ويزداد عمقا من حولها، وان الحل لن يكون غدا، بل ان ملف العراق سيكون ضمن بقية الملفات العالقة التي سترثها الادارة الامريكيةالجديدة في الاشهر المقبلة والتي سيتعين عليها آجلا ام عاجلا الاعتراف بحق الشعب العراقي في تقرير المصير في منأى عن اي نوع من الوصاية..