اذا لم يحدث ما يمكن ان يؤجل ذلك او يمنعه مرة اخرى فان الحكومة العراقية ستتجه اليوم الى رفع مشروع قانون النفط والغاز الذي اقرته بالامس الى البرلمان العراقي لاعلانه بصفة رسمية ليكون بذلك اول اتفاق من نوعه يتم التوصل اليه منذ الاجتياح الامريكي للعراق ويصبح بذلك احدى ابرز المفارقات المسجلة على الساحة العراقية المتناحرة التي لم تنجح كل الدماء العراقية التي سالت حتى الان في توحيد قراراتها واهدافها بما يمكن ان يساعد هذا البلد على تجاوز محنته الراهنة والخروج من نفق الاحتلال المظلم الذي وقع فيه، فلا شيء حتى الان ضمن قانون النفط العراقي الجديد من شانه ان يمهد الى مرحلة جديدة في اعادة بناء العراق، فقد كان النفط العراقي او ما اصطلح على تسميته بالذهب الاسود نقمة وليس نعمة على العراق واهله في مناسبات عديدة وظل احد الاسباب المصيرية في دفع هذا البلد الى هذا المصير المحتوم، فصناعة النفط العراقي الذي يعد ثالث اكبر احتياطي للنفط في العالم بحوالي 115 مليار برميل تشهد تراجعا وانخفاضا حادا في الانتاج منذ الاحتلال - من 3,5 مليون برميل يوميا الى نحو مليوني برميل يوميا بسبب اعمال التخريب والفساد - الذي قدر باكثر من خمسة وعشرين مليارا في السنوات الثلاث الاخيرة فضلا عن الخطط التي تم اعتمادها لبيع النفط العراقي بأقل من الأسعار المعمول بها الامر الذي استفز الكثير من الفصائل العراقية وساعد بالتالي على تفاقم العمليات والتفجيرات التي استهدفت ابار وانابيب النفط التي اعتبرت مصدرا لصفقات شركات اجنبية كثيرة ولاثراء فئة معينة امكن لها ان تفرض سيطرتها على ثروات البلاد وتنفرد بعائداتها في وقت تفاقمت فيه معاناة العراقيين وحاجتهم الى ابسط ضروريات الحياة... لقد ارتفعت اصوات كثيرة من بغداد الى واشنطن لترحب بقانون النفط العراقي الجديد وتروج بما يمكن ان يحمله في طياته من بشائر للشعب العراقي باعتباره اول خطوة في اتجاه تسوية وطنية في البلاد على حد تعبير السفير الامريكي زلماي خليل زاد والحقيقة ان النص النهائي لهذا القانون الذي لم تكشف تفاصيله يعد احد اكثر القوانين العراقية اثارة للجدل بين مختلف الفصائل والاطياف السياسية على الساحة العراقية وقد تطلب التوصل اليه اشهرا طويلة من المفاوضات والترتيبات والاتفاقات وبعد ان هددت الادارة الامريكية علنا برفع تاييدها لحكومة المالكي اذا لم يتحقق هذا الهدف. صحيح ان قانون النفط العراقي الجديد يتضمن في ظاهره تقسيما عادلا للثروة النفطية وايراداتها وضمان السيطرة الكاملة للعراقيين على ثروة بلادهم الا ان حجم الخلافات بين الفرقاء اعمق واخطر من ان يفصل بينها نص قانوني يضاف الى نصوص سابقة، ذلك ان اغلب الاحتياطات النفطية توجد بالشمال الكردي والجنوب الشيعي فيما تفتقر المحافظات السنية وسط العراق لاية احتياطات نفطية كبيرة. ولعل فيما اثير من انباء بشان اكتشاف مواقع نفطية جديدة مهمة في مواقع السنة يمكن ان يفسر الحرص على التوصل الى مثل هذا القرار... وفي كل ذلك فان الاعتقاد بان قانون النفط العراقي من شانه ان يكون سابقة لتوحيد صفوف العراقيين ليس اكثر من محاولة اخرى للضحك على الذّقون وتوفير المبررات لمواصلة سياسة الهروب الى الامام واستباق الاحداث، فالنفط كان وسيبقى احد اسباب مآسي اهل العراق بعد ان بات اهم واثمن من الدم العراقي...