بداية وعلى الرغم من شطط بعض المواقف المعلنة على خلفيّة جريمة اغتيال الوجه السياسي والنائب بالمجلس الوطني التأسيسي الفقيد محمد البراهمي والتي وصلت إلى حدّ المطالبة باسقاط الحكومة وحلّ المجلس الوطني التأسيسي بل اعلان العصيان المدني.. فضلا عن تنفيذ اضراب عام.. فإن المتابع واعتبارا لبشاعة وخطورة الجريمة في ذاتها قد يتفهم مثل هذه المواقف حتى وإن كان يختلف مع أصحابها والأطراف الصادرة عنها والواقع أنه ما من اشكال من حيث المبدإ في أن تأتي المواقف وردود الفعل المنددة على درجة من الحدة خاصة عندما يكون الداعي في ذاته جريمة اغتيال سياسي ارهابية وبشعة في حجم و»مواصفات» جريمة اغتيال الفقيد والمناضل محمد البراهمي.. إنما الاشكال هو في أن تتأسس المواقف السياسية و»ردود الأفعال» على قاعدة « حسابات الربح والخسارة» في معناها المصلحي والحزبي الضيق.. كأن يتوهم طرف ما مثلا بأنه يمكنه «استثمار» الظرف و»الحادثة» سياسيا واجتماعيا للتضييق على الخصم السياسي وحشره في الزاوية وفرض «حلول» من طرف واحد ربما يكون الأستاذ محمد عبو رئيس الهيئة التأسيسية للتحالف الديمقراطي يشير إلى هذا المعنى تحديدا عندما اعتبر أمس الأول أن اتهام حركة «النهضة» باغتيال الفقيد محمد البراهمي هو موقف غير مسؤول من قبل بعض المعارضين السياسيين.. بدوره وزير الداخلية السيد لطفي بن جدو قد يكون يلمّح إلى هذا المعنى أيضا وهو يدعو في نهاية ندوته الصحفية الأحزاب السياسية إلى التوافق على اعتبار أن الخاسر الأكبر في غياب هذا التوافق والعبارة له ستكون تونس وسيكون الارهاب بالمقابل هو الرابح (لاحظوا استعمال مفردتي الربح والخسارة) لقد مرت على تونس أمس الأول أوقات عصيبة لا فقط لأنها تفقد مرة أخرى وبفعل جريمة اغتيال ارهابية أحد أبنائها البررة من المناضلين الوطنيين ولكن أيضا لأن تجربتها الديمقراطية الوليدة ومكاسب ثورة شعبها على نظام المجرم بن علي كانت «في الميزان» حتى لا نقول كانت مهددة.. أوقات فقدت فيها بعض الوجوه والقيادات السياسية حتى من تلك التي تعد في الغالب عاقلة وحكيمة شيئا من اتزانها وواقعيتها فأخذت تنادي بدورها ويا للمفارقة باسقاط الحكومة وحل المجلس الوطني التأسيسي !!! اليوم السبت ستتنادى الجموع لتشييع جنازة الفقيد المناضل محمد البراهمي إلى مثواه الأخير.. وما من شك أن قوات الجيش الوطني التي ستؤمن له مراسم جنازة وطنية مهيبة ستعرف كيف تجعل هذا الموكب يحافظ على أجوائه الخاشعة.. أما ما يبقى مطلوبا قبل هذا وبعده من كل التونسيين بمختلف انتماءاتهم السياسية هو أن يحافظوا على ما تحقق من أهداف ثورة 17 ديسمبر 14 جانفي وأن يراكموا على هذه الأهداف في اطار مسار توافقي واقعي يأخذ في الاعتبار خصوصيات الظرف والمرحلة بعيدا عن «الثورجيات» الفارغة بمختلف شعاراتها.. وبعيدا أيضا عن منطق حسابات الربح والخسارة في أبعاده الايديولوجية والانتهازية الضيقة