الضجة التي أثيرت مؤخرا حول شريط سينمائي هولندي وعرض مسرح ألماني «آيات شيطانية» (لسليمان رشدي) فتحت من جديد جدلا حول حق الفنان في نقد الاديان .. وهي نفس الضجة التي فجرتها قضية الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية قبل عام ..والتي أعادت بدورها إلى السطح قضايا خلافية بالجملة برزت تاريخيا في كل المجتمعات ..عندما يتعلق الامر بالمقدسات ..والمعتقدات الدينية ..والمسلمات الايديولوجية .. ومن غرائب الزمن أن الملايين نزلوا الى الشوراع في مختلف أنحاء العالم الاسلامي وفي اوربا وامركيا واسيا واستراليا احتجاجا على رسوم كاريكاتورية اساءت لصورة النبي محمد عليه السلام ..وتسبب بعض تلك المظاهرات في سقوط قتلى وجرحى وفي خسائر مالية هائلة .. بينما لم تنظم مسيرات مماثلة احتجاجا على الاساءة اليومية لمئات الملايين من البشر (المسلمين وغيرالمسلمين).. عبر فرض حصارعليهم وتجويعهم.. (مثلما يحصل يوميا في فلسطين والعراق وأفغانستان ).. أو عبر سرقة ثرواتهم والتسبب في انتشار الفقر والجوع والبطالة والمخدرات والجريمة المنظمة في صفوف ابنائهم .. فهل الاساءة الى الاسلام وصورة النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) اصبحت مرهونة في فيلم («بايخ») في منطقة نائية بهولندا ..أو بكاريكاتورفي جريدة دانماركية لا يقرؤها الابضعة الاف البشرفي اقصى شمال الكرة الارضية.؟؟ أليس في تواطؤ بعض العرب والمسلمين في مسارفرض الحصارعلى الفلسطينيين والعراقيين (وغيرهم) وتجويعهم انتهاك للقيم الاسلامية والمبادئ السمحة التي جاء بها الرسول محمد عليه السلام وهو اخطر مليون مرة من رسم كاريكاتوري صدر عن فنان جاهل يقيم الاسلام أو فيلم استفزازي يبحث صاحبه عن النجومية والربح أو مسرحية تقف وراءها جهات أخطأت طريق الصراع مع التطرف الديني؟ أليس من مصلحة العرب والمسلمين الاهتمام بقضاياهم الحقيقية والتوقف عن المعارك المفتعلة وردود الفعل المتشنجة والمجانية على الاعلاميين والفنانين والمثقفين الغربيين؟ أليس من الافضل الرد غير المباشر على استفزازات خصومهم وأعدائهم عبر انتاج فن راق وصحافة مهنية عوض التورط في معارك اعلامية عابرة نتيجتها عكسية؟ وهل لم يحن الوقت للاقرار علنا بحق الفنان في نقد الاديان مع مطالبته بعدم الخلط بين النقد والتجريح ..بين حق التعبيرالحروغيرالمشروط وواجب احترام معتقدات الاخر؟