من جديد تعود الاجتماعات الحزبية واللقاءات المغلقة للخروج بحل يخرج البلاد من الازمة السياسية والدستورية التي من شأنها ان تدخلنا في نفق لا مخرج منه الا بالتوافق والحوار الجدي بعيدا عن سياسة الهروب الى الامام او تقاسم الغنائم تحت عنوان "الوحدة الوطنية". فبعد نحو 8 ايام من كلمة رئيس الحكومة المؤقت حمادي الجبالي بخصوص التحوير الوزاري ودعوته الى الخروج بحل في اقرب وقت، بدا جليا ان الجبالي لا يتحكم في خيط من خيوط اللعبة الحكومية بعد ان بين وبالمكشوف ان الرجل غير قادر على اقرار تعديل وزاري في ظل تشبث اطراف الحكم بمواقفهم بتحييد الوزارات السيادية في حين ان النهضة اكدت انها لن تسلم الداخلية والخارجية والعدل لاي طرف سياسي اخر. ولعل الملفت حقا هو اصرار حزبي التكتل والمؤتمر على تحييد بعض الوزارات حتى يضمن "حيادا تاما للفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية" على حدّ تعبير احدهم." ومن بين الاسئلة الحائرة لماذا استفاق التكتل والمؤتمر في هذا التوقيت بالذات؟ هل فهم الحزبان ان خطر النهضة بدا يستشري في عروق الدولة قبل الموعد المحدد للانتخابات؟ لماذا لم ينتبه الحزبان الى كل ذلك في وقت تعالت فيه اصوات المستقيلين من التكتل والمؤتمر والمنسحبين محذرين من تغول الحركة؟ وبعيدا عن هذا وذاك فإن الاحداث الحاصلة وطنيا تثبت ان الموقف اخذ في التصاعد مما يوحي بان بلادنا قد تشهد تطورا غير محمود مع تزايد مخزون الغضب الشعبي عن اداء الحكومة المؤقتة وعجز احزابها الحاكمة عن تنفيذ برامجها التي وعدت بها مما أدّى الى فشلهم مجتمعين في تحقيق اهداف الثورة كالتشغيل والمحاسبة وبالدعوة الى حوار وطني حقيقي بعيدا عن الشعارتية الجوفاء. علاقات متوترة من الواضح ان مسألة التحوير الوزاري قد أثرت بشكل واضح على العلاقات بين الشركاء السياسيين الثلاثة حيث بدأت بعض الصفحات التابعة لحركة النهضة كصفحة شباب حركة النهضة الاسلامية على الفايس بوك في نشر ما اعتبرته وثائق ضد حزب التكتل الذي يسعى الى إسناد حقيبة العدل الى احد التجمعيين في اشارة الى الاستاذ سمير العنابي الذي كان مقترحا من قبل التكتل لنيل حقيبة العدل عوض نورالدين البحيري المنتمي للنهضة. وقد وصف عدد من المحللين نشر وثائق لم يتبين مصدرها ضد العنابي بمثابة دق للمسمار الاخير في العلاقات بين مكونات الائتلاف الحاكم متسائلين في هذا الاطار "لماذا لم تشر صفحات حركة النهضة لاي شيء يتعلق بمحافظ البنك المركزي الشاذلي العياري بل ان كتلة الحركة صوتت بالاجماع ليتولى هذه المهمة في حين نراها تفتح النار على مقترح التكتل؟". وقد اعتبرت ذات المصادر ان الاجابة عن هذا السؤال سهل وهي ان حركة النهضة "تسعى جاهدة للسيطرة على كامل مفاصل الدولة والا بماذا نفسر حيازتها لاهم وزارات في حين تحصل المؤتمر على منصب رئيس للجمهورية دون صلاحيات واكتفى مصطفى بن جعفر بمطرقة رئاسة المجلس الوطني التاسيسي الذي هو في الاصل رهين لكتلة الحركة من كونه مستقلا بذاته وهذا ما يفسر سهولة تمرير أي قانون تقترحه الحركة الى حد الآن". لقاءات مكثفة.. استثنائية وامام التطورات السياسية الحاصلة ورفض الاحزاب الالتحاق بحكومة الجبالي قررت امس حركة النهضة الدعوة الى اجتماع استثنائي لمجلس الشورى وقد اكد عضو المجلس رياض الشعيبي في تصريح ل"الصباح " ان النقاشات ستتناول في جدول اعمالها نقطة وحيدة وهي التباحث في مسالة التحوير الوزاري المرتقب". وحول القرارات الممكنة التي قد يتخذها المجتمعون كالانسحاب من الترويكا او اعلان التشكيل الحكومي او الابقاء على الوضع كما هو قال الشعبي "ان كل هذا الحديث سابق لاوانه وان المشاورات مازالت متواصلة الى حد الان". ووفقا لما ورد امس بجريدة "الفجر" التابعة لحركة النهضة فقد اقرّ رئيس الحركة في حوار له بالصحيفة "ان التحوير الوزاري عملية اصلاحية لا تاسيسية والمستقبل لن يتوقف بدونه" وهو ما يعني ان الحركة مازالت متشبثة بموقفها الاول وعدم تسليم الحقائب السيادية الى أي طرف كان وهو ما قد ينذر بنهاية العلاقة بين الشركاء الثلاثة في حال اصدر اجتماع الشورى بيانه واقر "باحقيته" في الحقائب. ومن جهة اخرى اكد عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر من اجل الجمهورية طارق الكحلاوي ل"الصباح" ان الحزب قرر عقد اجتماع استثنائي لمؤتمره الوطني للحسم في مسالة التحوير الوزاري. ويذكر ان المؤتمر قد امهل الحكومة بعض الوقت لإعادة صياغة توازنها والا قد يتخذ قرارا بالانسحاب. ويذكر ايضا ان حزب التكتل ابقى اجتماع مكتبه السياسي مفتوحا الى حين لمس تحولات "جدية في موقف الحركة من التحوير". فهل تقيم النهضة اليوم الصلاة لاستعادة علاقاتها؟ ام ستكون صلاة الجنازة على حكومة الجبالي؟