تونس الصباح شدد السيد البشير فتح الله، عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الدفاع عن المستهلك على ضرورة أن تعيد المنظمة النظر في هيكلتها وأسلوب عملها لكي ترتقي الى مستوى القضايا الجديدة المرتبطة بالمستهلك التونسي. ودعا مساعد رئيس المنظمة والمكلف بالعلاقات الخارجية صلبها الى أن تكون المنظمة طرفا أساسيا في وضع القوانين المعنية بالاستهلاك والمستهلك.. واعتبر فتح الله، الذي يعد أحد مؤسسي منظمة الدفاع عن المستهلك أن التقاضي ينبغي أن يتحول الى آلية ضرورية صلب الجمعية لكي تستطيع إيقاف نزيف الغش والتحيل الذي تمارسه عديد المؤسسات، داعيا الى ارساء شراكة فعلية وفاعلة في نفس الوقت «من دون المساس باستقلالية المنظمة وتقاريرها ومعطياتها» على حد تعبيره.. وتناول الحوار مسائل أخرى مختلفة تقرأونها ضمن نص الحوار. ملفات جديدة * كيف تقرأ الوضع الراهن في منظمة الدفاع عن المستهلك التي شرعت في الاعداد لمؤتمرها القادم؟ اعتقد أن من الضروري على المنظمة توجيه عملها لمزيد من الجدوى والنجاعة ومزيد الاهتمام بجميع اشكاليات السوق (التزويد والاسعار وغيرها..) لكن الأهم في تقديري هو فتح الملفات التي باتت جزءا من القضايا الوطنية.. فما تزال المنظمة تخصص نحو 80 بالمائة من تحركاتها وعملياتها للأمور الآنية المتعلقة بالسوق، فيما أن السوق ذاتها تطورت اشكالياتها. * ماذا تقصد بهذا؟ ثمة قضايا كبرى جديدة من افرازات تحرير السوق والقوانين الجديدة، على غرار الخدمات بعد البيع، والتداين الاسري والخدمات الصحية والاستشفائية والعلاقة مع البنوك وشركات التأمين وغيرها.. لقد تغير نمط الاستهلاك بالنسبة للتونسي، فلم يعد يرتبط بمشاكل السكن والتعليم والصحة فحسب، بل هناك مشكلات اخرى شديدة التعقيد.. فلا بد أن تعيد المنظمة النظر في تعاملها مع المؤسسات (التونسية والأجنبية) في علاقتها بالحريف.. فهناك مؤسسات أجنبية على سبيل المثال باتت تتعامل مع الحريف التونسي بالاسلوب التونسي ذاته، بدلا من ان تكرس لدينا اسلوب تعامل حرفي بالمواصفات العالمية.. لا بد كذلك من البحث في مشكل الجودة، وأقصد هنا جودة المنتوجات التونسية من خلال تحقيق التناغم بين المواصفات التونسية والأجنبية.. لقد حان الوقت كذلك لكي تكون المنظمة طرفا أساسيا في وضع القوانين المعنية بالاستهلاك والمستهلك. إعادة النظر * لماذا لم تضطلع المنظمة بهذه المسؤولية على الرغم من مرور عشرين عاما على إنشائها؟ لا بد للمنظمة من إعادة النظر في هيكلتها وتركيبتها بشكل يسمح بأن تكون ذات نظام اقليمي يمكنها من تجاوز البيروقراطية الادارية التي تعيق نشاطها وتحركاتها على الصعيد الجهوي. لقد وضعت المنظمة اهدافا عامة عند نشأتها، من بينها الدفاع عن الاقتصاد التونسي وعلى المستهلك، لكن هل يعقل أن تضطلع منظمة بأدوار الوزارات والمؤسسات؟ * لو توضح أكثر؟ ما المانع مثلا من انشاء جمعيات قطاعية أو جهوية تعنى بالمستهلكين، مع الابقاء على المنظمة في اطارها المركزي الراهن؟ لا اعتقد أن ثمة مشكلا في انشاء جمعيات قطاعية بحكم تعدد الخدمات وتنوع القضايا، فالمشكلات الموجودة في العاصمة ليست هي المتوفرة في مستوى الجهات وعلى صعيد القطاعات.. * وما الذي يمنع من ذلك؟ الجمعية بتركيبتها الحالية وقانونها الراهن لا يسمحان لها بأن تتعاطى مع هذه المستجدات.. فالأرضية القديمة لم تعد تستجيب للمرحلة المقبلة، لذلك لا بد من تفكير جديد لخلق أرضية جديدة للمنظمة.. قانون الجمعيات يسمح * لكن هل أن قانون الجمعيات يسمح للمنظمة بأن تأخذ هذه الأبعاد؟ ليس المشكل في قانون الجمعيات الذي قد يسمح بأكثر من ذلك، فهو يتوفر على هوامش وصلاحيات أوسع، انما المشكل في التطبيق.. ففي هذه الحالة نصطدم بالمؤسسات والوزارات والأخطبوط الاداري المتعارف عليه. وهنا يطرح موضوع الشراكة الذي مضى على طرحه اكثر من عشر سنوات، دون أن نمضي فيه بشكل عملي الا من خلال مبادرات محدودة.. فالمنظمة مطالبة بأن تدخل في شراكة في مستوى التصور والتنفيذ، دون أن تمس هامش استقلاليتها عن الوزارات والادارات العمومية.. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يتعين على المنظمة ان تكون لها تقاريرها ومعطياتها بشأن عديد القضايا، تماما مثل الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة.. إننا مطالبون كمنظمة بأن تكون لنا دراساتنا وأرقامنا ومعطياتنا وتقاريرنا حول كل ما يخص المستهلك والاستهلاك والسوق والوضع الاقتصادي والتجاري، وعلاقة الحريف بالمؤسسات الاجتماعية والمالية والتأمينية والخدماتية بشكل عام.. لكن المهم في ذلك هو أن لا تشتت المنظمة جهودها، بحيث عليها أن تنكب على معالجة ملف او اثنين سنويا، وتنتهي من خلاله الى نتائج عملية أفضل من الاهتمام بعشرات الملفات دون جدوى.. التقاضي حاجة ماسة * في مجال معالجة القضايا الاستهلاكية.. (مقاطعا): على المنظمة أن تهتم بمسائل الاعلام والوساطة والتقاضي.. يتعين علينا الاهتمام بدليل المستهلك، الذي لا بد أن يصدر دوريا، فهي الوثيقة التي توفر للمستهلك حيثيات حول الأسعار وجودة المنتوجات والسوق وتدخلات المنظمة العملية، حتى نعزز الثقة بينها وبين المستهلك، فيكون الدليل بمثابة الوثيقة المرجعية في سلوكه الاستهلاكي اليومي.. أما التقاضي فهو الأمر الأهم في هذا السياق، اذ من المفروض أن يتوفر للمنظمة حق التقاضي (خصوصا مع المؤسسات الأجنبية) بغاية لجم المؤسسات والشركات التي تمارس الغش وتتحيل على المستهلكين، واذا ما اصبح التقاضي جزءا من عمل المنظمة وآليات نشاطها، يصبح هناك تخوف من المنظمة وخشية من دورها، وبالتالي رد الاعتبار اليها. خطوات ضرورية * ما هو المطروح عمليا لكي ترتقي منظمة الدفاع عن المستهلك الى هذا المستوى من الفعل؟ اذا ما أرادت المنظمة الاضطلاع بواجبها على النحو الذي أوضحت، فإنها مطالبة بإعادة هيكلة شأنها سواء من خلال الموارد البشرية أو الهيكلة التنظيمية أو كيفية تقديم الخدمات.. وهنا لا بد من القيام بالخطوات التالية: انتداب اطارات جهوية عبر نظام التربص للاعداد للحياة المهنية (SVP) بحيث يكون هؤلاء المنتدبين بمثابة الخلايا التي يمكن ان يشرف عليها عضو من بين اعضاء المكتب الوطني وتعنى كل خلية بملف محدد.. تطعيم المنظمة على صعيد مكاتبها الجهوية بأصحاب الشهادات من أجل تطوير عملها وأفق نظرها للأمور.. تفعيل الهياكل الموجودة (المجلس الاداري والمكتب الوطني).. لا بد من ندوات دورية تختص بقضايا حياتية استهلاكية تدعيم الموارد الذاتية للمنظمة، عبر تفعيل مجلة المستهلك التي يتوجب أن تتحول الى مؤشر لدى المستهلك بحيث توفر مداخيل مالية للمنظمة.. توسيع دائرة علاقات المنظمة مع المنخرطين حتى تعيد ثقة المستهلك في الجمعية مسألة الاستشراف * يلاحظ أن المنظمة لا تعير اهتماما لمسألة الاستشراف.. فلماذا يغيب عنها هذا الموضوع حسب رأيك؟ هذه من الثغرات الاساسية في عمل المنظمة.. لقد تغير النمط الاستهلاكي للتونسي، ونلحظ ولادة مستهلك جديد الى جانب وجود اقتصاد مفتوح ومنافسة أجنبية شرسة، تعتمد معايير الجودة العالمية وتولي عنايتها لخدمة المستهلك/ الحريف، الى جانب ظهور ما يعرف ب«المؤسسات التي تبيع قبل أن تنتج» وهو نمط استهلاكي جديد، فإما أن تعدل المنظمة أوتارها على هذه التحولات، اذا ما أرادت أن تكون لها مساهمة في اقتصاد البلاد، واما ان تجد نفسها على هامش العمل الجمعياتي ونسيج المجتمع المدني.. يتعين على المنظمة حينئذ، تقييم راهنها (Self évaluation) ووضع تصورات جديدة، اذا ما كانت ترغب في لعب دور مهم في علاقة بالمستهلك وباقتصاد البلاد المقبل على تحديات ضخمة..