أي جدوى من تنقيح النظام الداخلي للمجلس الوطني التأسيسي في هذه الظرفية بالذات؟ وهل التنقيح يقتضي الحد من صلاحيات النائب وجعله وفقا للبعض مجرد آلة للتصويت؟ وهل أن هذا التعديل يستهدف المرحلة القادمة التي ستعنى بمناقشة فصول الدستور ليتسنى صياغة دستور على مقاس الترويكا كما يعتبر البعض؟ أسئلة عديدة تخامر الذهن بعد أن عرض مشروع تنقيح النظام الداخلي في جلسة عامة للنقاش أفضت إلى رفض هذه التعديلات بأغلبية كبيرة وإحالة المشروع على لجنة النظام الداخلي قصد النظر فيه مجددا. إلا أن التمسك بالنظر في هذه التنقيحات وإحالتها للنقاش مجددا يحمل في طياته عديد الاحتمالات لعل ابرزها انه اجراء يستهدف تكميم افواه النواب..وفق تعبير أحد نواب المعارضة. يقول المقرر العام للدستور الحبيب خضر في تصريح ل"الصباح"، وردا على الاتهامات الموجهة الى التعديلات الجديدة على غرار انها "تكرس الاستبداد " :"إن كنت أرى شخصيا أن المشروع المقدم يتناسب والهدف المراد تحقيقه والمتمثل خاصة في تسريع نسق أعمال المجلس الوطني التأسيسي والذود عن سمعته فان الجلسة العامة قد رأت بأغلبية كبيرة جدا من الحاضرين أن تعيد المشروع إلى لجنة النظام الداخلي قصد مزيد النظر فيه في انتظار أن ترجع اللجنة المشروع ليعرض مرة أخرى على الجلسة العامة ." وعن ما إذا كان النظر مجددا في مشروع تعديل النظام الداخلي يقتضي التخلي عن الفصل 104 (الذي كان محل جدل استنادا إلى انه يمنح هيئة التنسيق والصياغة صلاحيات على حساب اللجان التأسيسية) ذكر المقرر العام للدستور أن هذا الفصل ستتولى النظر فيه اللجنة مشيرا إلى انه شخصيا يعتقد أن ما ورد في الصيغة المقترحة كتعديل في الفصل 104 لا يعدو أن يكون إلا توضيحا لما هو موجود أصلا في النظام الداخلي. وقال :" فالصيغة الجديدة لم تأت بجديد وإنما وضحت فقط ما عهد إلى الهيئة المشتركة للتنسيق والصياغة في إعداد مشروع الدستور." وأضاف:"اعتقد أن توضيح ما تعتمده الهيئة على وجه الحصر في الصيغة المقترحة في التعديل أكثر دقة من إبقاء صلاحيات إعداد الدستور للهيئة دون تدقيق ضوابطها " ملاحظا ان القرار الاولي يبقى للجنة النظام الداخلي والحسم النهائي من مشمولات الجلسة العامة. اخفات صوت المعارضة من جانب آخر يرى صالح شعيب عضو المجلس التأسيسي عن حزب الخيار الثالث أن الهدف من وراء إدخال تعديلات في النظام الداخلي يتجاوز منطق التعديل من اجل التعديل إلى غايات أخرى أعمق بكثير من اخفات صوت المعارضة تحت قبة التأسيسي لا سيما أن الأيام القادمة ستشهد مناقشة فصول الدستور، والمراد -من وجه نظره -"إسكات المعارضة مقابل منح صلاحيات جدية لرئيس المجلس الوطني التأسيسي." وفسر في هذا السياق أن التحويرات الجديدة على النظام الداخلي تؤشرلمنح رئيس المجلس حق إصدار إنذار أول للنائب الذي يتدخل دون موافقة أو إذن من رئاسة المجلس فضلا عن منحه إنذار ثاني فثالث يستطيع بموجبه إخراجه من الجلسة العامة ومعاقبته ماديا عبر اقتطاع جزء من منحته لمدة شهرين ..وهو ما اعتبره شعيب تعسفا في حق النائب الذي انتخب لإبداء رأيه بكل موضوعية قائلا: " لا يمكن أن تكرس الديكتاتورية داخل المجلس..لا سيما أن مقترح التعديل المعمول به يكرس في النظام الجديد أن يكون الاقتراح موافقا عليه من قبل 10 نواب وحتى الكلمة الأخيرة فستكون موكولة للجنة التنسيق والصياغة التي باستطاعتها رفض هذا المقترح." وبالتالي فان "دور النائب سيقتصر في حلقة مفرغة من النقاش." حسب تقديره. وتساءل شعيب عن سبب إجراء تعديل في هذه الظرفية بالذات علما أن هنالك استحقاق انتخابي من المفروض القيام به شهر جوان القادم، مؤكدا أن "الهدف الأساسي من وراء ذلك هو تكميم أفواه النواب وصياغة دستور على مقاس الترويكا خاصة أن الرهان الأكبر في هذه الظرفية بالذات هو بلورة خارطة طريق وجعل النواب يستكملون أعمالهم بكل حرية وديمقراطية لا سيما فيما يتعلق بكتابة الدستور." الحد من حرية النائب ومن جهة أخرى يعتبر أيمن الزواغي عضو المجلس الوطني التأسيسي عن تيار العريضة الشعبية أن التعديل في النظام الداخلي "إجراء للحد من حرية النائب في تدخلاته بتعلة الحد من الشجار والحال أن ما يحدث داخل قبة المجلس التأسيسي يعتبر علامات صحية استنادا إلى أن ما يحدث في قبة باردو شبيه بما يحدث في أعتى الديمقراطيات." وأوضح أن الطرق المتوخاة لفرض النظام عبر هذا التعديل هي في حد ذاتها طرق غير ديمقراطية استنادا إلى أنها تصل حد طرد النائب خلال جلسة عامة. وأضاف انه "باستثناء تنقيح الفصل الذي يهم غيابات النواب فانه لم يقع قبول أي تعديل آخر." وخلص إلى القول:"نحن مع انضباط النائب لكن أن تحد من حريته في إطار معين يخدم الأغلبية فان ذلك لا يخدم لا المعارضة ولا الشعب".