فاق عدد الجمعيات إلى حدود 2 أكتوبر الماضي 14 ألف جمعية موزعة بين جمعيات أحدثت قبل غرة جانفي2011 وعددها 9600 منها4485 جمعية خاصة بالعمل التنموي بالمدارس الإبتدائية والإعدادية والثانوية، وأخرى أحدثت بعد هذا التاريخ وبلغت 4426 جمعية، منها 2284 نشأت سنة 2012 حسب إحصائيات مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق "إفادة" للجمعيات. فأي دور لعبه المجتمع المدني بعد الثورة وكيف يمكن تقييم آدائه للوقوف عند الإيجابيات والسلبيات وتجاوزها خلال الفترة القادمة والمساهمة في إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي؟ للإجابة عن هذه الإشكالية اتصلت "الصباح" بعدد من الفاعلين والناشطين في المجتمع المدني والملاحظين للشأن الوطني. أكد الأستاذ عبد الباسط بن حسن رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أن "ثورة تونس فتحت آفاقا جديدة لعمل منظمات المجتمع المدني التي ساهمت بفاعلية في السنة الأولى من المرحلة الإنتقالية في وضع المراسيم والإعداد للإنتخابات وصياغة مقترحات في مجالات عديدة مثل العدالة الإنتقالية وإصلاح الإعلام والأمن والقضاء، كما شاركت بشكل كبير في نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة في مختلف أنحاء الجمهورية". مضيفا:"كل هذه الإسهامات ساعدت المجتمع المدني على أن يتحول من سلطة احتجاج إلى سلطة مراقبة وإقتراح جعلته يواصل تصديه لكل محاولات التشكيك في حقوق الإنسان وفي الحريات ومحاولة البعض فرض نمط مجتمعي متعارض مع مفاهيم مجتمع الديمقراطية والمدنية وهي من المخاطر التي تهدد عمل المجتمع المدني تُضاف إليها مساعي البعض إلى إعادة منظومات الهيمنة بالتشكيك بعمل المنظمات والهجوم عليها واستعمال العنف لضرب حرية الرأي والتعبير والتنظيم والإجتماع". ديمقراطية التسيير أمام هذه المخاطر قال رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان أن"مكونات المجتمع المدني تحتاج في هذه المرحلة إلى أن تراجع طرق عملها وتسييرها وذلك باعتماد أدوات التخطيط الإستراتيجي والديمقراطية في التسيير والشفافية في إدارة الموارد" و"أصبحت عنصرا أساسيا في هذه المرحلة الإنتقالية الصعبة والمعقدة". وشدد على أن"الإعتراف بدور هذه المنظمات هو الكفيل وحده بأن يجعلها شريكا حقيقيا يراقب آداء السلطات ويحمي الحقوق الفردية والجماعية بما يساهم في اقتراح السياسات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية". مسار مغاير في ذات السياق دعا الأستاذ محسن الخوني أستاذ بالجامعة التونسية وعضو بمرصد الحريات الأكاديمية إلى"الإنتباه للتغيرات التي طرأت على المجتمع المدني"، ولاحظ أن جمعيات ومنظمات انقرضت من العمل الجمعياتي بعد الثورة وأخرى نشأت". وقال"في الفترة السابقة كان المجتمع السياسي يحاول السيطرة على المجتمع من خلال هذه المجتمع المدني، فكثير من الجمعيات الجديدة التي نشأت بعد 14 جانفي تقوم بنفس المهام اليوم مثل رابطات حماية الثورة والجمعيات القرآنية وغيرها للسيطرة على المجتمع وتبرير عمل السلطة والتأسيس لنظام شمولي". أضاف الأستاذ الخوني أن"لكن هناك جمعيات محترمة ناضلت ضد الإستبداد وهي إلى اليوم تدافع عن مبادئها وتناضل من أجلها وهي صمام الأمان ضد أية محاولة تمس من الحريات ومن حقوق الإنسان، فولا تحرك هذا المجتمع المدني الحقيقي لكتب لهذا المسار مسارا آخر مغايرا باعتباره لعب دور المراقبة خاصة فيما يتعلق بقضاي حرية الإعلام والتعبير والمرأة وغيرها". ولاحظ "أن المجتمع المدني بعد الثورة متقدم على المجتمع السياسي والمواقف التي يتخذها ضد أي مسلك من مسالك الإستبداد تعد مؤشرا لمستقبل أفضل" مبينا"ان المنظمات والجمعيات هي أمل التونسيين بصفة عامة ولكن مع ذلك هناك مشكل أن هذه الجمعيات والمنظمات هي جمعيات النخبة وليست جمعيات تعبوية ليس لديها الإمكانيات والآليات لتعمل بشكل تعبوي، فصدى أعمالها ضعيف لم يمس أعماق المجتمع ولا أدغال الجماهير.." واعتبر الأستاذ مهدي عبد الجواد جامعي وممثل عن منتدى ابن أبي ضياف للفكر الديمقراطي أن "المجتمع المدني قد نجاح في مهامه رغم حداثة تكوينه فبرهن عن تعطش المواطن التونسي للمساهمة في الشأن العام والقيام بدوره للتأطير والتوعية والتثقيف، فقام بأكثر مما هو مطلوب" ومع ذلك فان المجتمع المدني "مطالب بمزيد التنظم فمثلما نشب صراع سياسي بين الأحزاب فإن هذا الصراع نشأ بين الجمعيات والمنظمات وهو ما خلق حالة من اللخبطة." وفق تعبيره. وقال إن عددا من الجمعيات لا تقوم بدورها وإنما هي تمثل غطاء للأحزاب السياسية والمال المشبوه، فلا يمكن بالتالي بناء دولة ديمقراطية في وجود محاولات لاستهداف مؤسسات الدولة وفي غياب آليات مراقبة." وبين كيف أن"بعض الجمعيات المارقة على القانون تقوم بهذه المهمة عبر الإلتفاف على مرسوم الجمعيات وممارسة العنف والحث على الكراهية وعدم الإنضباط للمبادئ الكونية لحقوق الإنسان وهو في نظري محكوم بلعبة سياسية بعيدة عن المجتمع المدني". طموحات أما الأستاذ رفيق الحلواني منسق شبكة مراقبون فقد أكد أن "المجتمع المدني أمام طموحات كبيرة وتحديات أكبر مقابل انجازات متواضعة بما أنه يشكو من ضعف هيكلي وتنظيمي وقلة الإمكانيات المادية والبشرية، فالملاحظ أنه مازال في مرحلة الهواية لم يدخل بعد عهد الإحتراف."