تساؤلات مشروعة على هامش اجتماع مجلس وزراء الاعلام العرب بسرعة اذن وبعيدا عن أية ضجة اعلامية او ماشابهها انفض اجتماع وزراء الاعلام العرب الاستثنائي المنعقد الاسبوع الماضي بالقاهرة الا ان الجدل الذي لا يزال محتشما حتى الان حول ما خرج به مسؤولو الاعلام العرب من قرارات واتفاقات قد يكون مرجحا ليتحول الى جدل مثير في مختلف الاوساط الاعلامية وحتى الديبلوماسية ومثل هذا الجدل يظل مرتقبا ومطلوبا لانه يمثل الرد الطبيعي المتوقع وعدا ذلك فان العكس بمعنى تجاهل هذا الاجتماع الحدث سيسجل استفحال ظاهرة غير صحية في جسد الاعلام العربي الذي ظل يشكو الكثير من الركود والتراجع في مكانته كما في الياته واهدافه. ورغم ان اشغال اللقاء الدوري لوزراء الاعلام العرب لم تحظ بتغطية تذكر في مختلف وسائل الاعلام العربي، فان الوثيقة التي خرج بها مسؤولو الاعلام العرب من شانها ان تثير الكثير من التساؤلات ونقاط الاستفهام حول الاسباب والدوافع التي مهدت لهذه الوثيقة كما حول اهدافها المعلنة او الخفية. ذلك ان البنود الثلاثة عشر التي تضمنتها الوثيقة التي اصطلح على وصفها بوثيقة مبادئ تنظيم البث والاستقبال الفضائي والاذاعي التلفزيوني في العالم العربي لا يمكن باي حال من الاحوال ان تدفع متتبع المشهد الاعلامي في العالم العربي الى الحياد كما ان مختلف بنود الوثيقة تبقى قابلة لكل القراءات والتاويلات بمختلف ابعادها وذلك امام وجود نحو خمسمائة فضائية متنافسة موجهة للمتلقي في العالم العربي وهي في اغلبها فضائيات خاصة لا تخضع للسلطات الرسمية التي انتبهت الى انها بصدد فقدان السيطرة على ما يمكن او لايمكن السماح لشعوبها بمتابعته على شاشاتهم في عصر العولمة والانترنات. واذا كان في جانب من بنود الميثاق ما يؤكد حرصا معلنا على حماية حق المتلقي من كل انواع الفكر المتطرف الذي تسوق له بعض الفضائيات من خلال البرامج التحريضية والفتاوى الجاهزة التي تستهدف شريحة واسعة من الشباب العربي وتدعو الى التصدي الى قنوات السحر والشعوذة وما تسوق له من وصفات صحية ونفسية تتناقض مع ما حققه الطب والعلم وتكرس الاحجبة وغيرها لشفاء مرضى السرطان او غيره او اكدت في جانب منها كذلك على ضرورة تحصين المجتمعات من الاثار المدمرة لتلك القنوات الاباحية فان ما لا يمكن انكاره او تجاهله ايضا ان الوثيقة التي تحفظت عليها قطر ولبنان لم تخل من محاولات واضحة لتقيد الاعلام واخضاع الفضائيات والمواقع الالكترونية لعقوبات زاجرة او مانعة للتحكم في توجهاته فضلا عن اعتماد الميثاق تبريرات لا يمكن التسليم او القبول بها سلفا كالحفاظ على الوحدة الوطنية وحماية حق الجمهور.. وهي تبريرات قد تبدو مسقطة في عصر العولمة وتفكك الحواجز ومن شانها ان تعيق الكثير من اهداف الرسالة الاعلامية وتجعل الفضائيات خاضعة لتوجهات وخيارات السلطات الرسمية وفي حدود ما يمكن ان تسمح به... ولا شك ان هذه الوثيقة التي امتدت من الحث على معارضة تشفير القنوات الرياضية وحماية حق الجمهور في المعرفة وحماية المنافسة واحترام حرية التعبير في ضوء السيادة الوطنية مرورا باحترام خصوصية الافراد وعدم التاثير على السلم الاجتماعية والوحدة الوطنية والنظام العام والاداب العامة وصولا الى الالتزام بميثاق الشرف الاعلامي العربي وغير ذلك من المبادئ المتعلقة بالاعلام العربي قد جاءت لتعيد الى السطح قضية حرية الاعلام في العالم العربي وهي وان كانت متفاوتة في درجاتها بين بلد واخر فان من شانها ان تؤكد بما لا يترك مع الامر مجالا للشك بان السلطة الرابعة في العالم العربي ابعد ما تكون في واقعها الحالي عن أي نوع من السلطة في الاذهان وانها لا تزال تشكو من عديد الشوائب والعلل والنقائص التي تمنعها من ان تتمتع باي نفوذ فعلي من شانه ان تجعل الاعلام قادرا على التاثير على الراي العام العربي كما على اصحاب القرار فيه. لقد كان ولايزال المشهد الاعلامي مراة تعكس مدى التقدم والتطور في الغرب ومقياسا لجس نبض الراي العام الغربي وتوجهاته واستعداد قياداته لتقبل الانتقادات الهادفة الموجهة له من اجل الاصلاح ولاشك ان وزراء الاعلام العرب مطالبون قبل حلول لقائهم المرتقب في جوان القادم باعادة النظر في عديد بنود الميثاق بما يمكن ان يرقى بالرسالة الاعلامية الى الموقع الذي تستحقه في انارة الشعوب ويوفر المناخ المطلوب للاعلاميين للاضطلاع بمهمتهم وهي مهمة لا تخلو من مآثر انسانية واخلاقية واجتماعية وسياسية لا حدود لها ويجب ان تظل في منأى عن كل انواع المزايدات والتاثيرات التي تقوضها او تحيد بها عن هدفها المطلوب...