إذا كان الخطاب السياسي الصادر عن أحزاب المعارضة قد غاب تماما في الجهات، وتقوقع داخل الكواليس سواء ضمن ما يجري داخل المجلس الوطني التأسيسي أو في صالونات الأحزاب ذاتها، فإن خطاب الحكومة من ناحية وأحزاب الترويكا الحاكمة من الناحية ثانية لم يشذ عن هذه القاعدة، وانحسر هو الآخر في تونس الكبرى أو العاصمة ليتجاذب فقط مع الأحزاب المعارضة من ناحية ويرد على الحراك الاجتماعي والسياسي بلغة الاتهام والمؤامرة على معظم القضايا التي تشغل سكان الجهات الداخلية للبلاد. فخلال الفترة الأخيرة ظهرت توترات وتشكيات في كل من القصرينوسيدي بوزيد بخصوص مستحقات عمال الحضائر التي لم تصرف، ومقابل السعي إلى صرفها بسرعة والاعتذار لعمال الحضائر على التأخير الحاصل، اختلقت الحكومة أسبابا واهية، وعمدت إلى اعتماد الحوالات البريدية لصرف تلك المستحقات وذلك ربحا للوقت ليس إلا، وهي لم تراع في ذلك حالة المواطنين والخصاصة التي هم عليها في زمن ارتفاع الأسعار وشهر الصيام. وعاد نفس الخطاب السياسي الذي اعتمدته الحكومة لمواجهة ما حصل في الجهات من مظاهر انقطاع الماء الصالح للشراب في قلب صيف حار، وبدل أن تعتذر على ما حصل ، وتسارع بإرجاع المياه والكهرباء لجهات مثل صفاقس والمهدية ونابل والمنستير وسوسة وغيرها من الجهات الداخلية، نراها تكيل التهم للمواطنين ولمسؤولي شركتي الماء والكهرباء، وتتناسى مسؤوليتها في هذا الجانب. وأما خلال اليومين الأخيرين خاصة فقد تغير منطق الحكومة ليعتمد على القوة في مواجهة مطالب المواطنين. ولعل آخر ما برز في وجهها بهذا الشكل هو المواجهات الدامية التي حصلت أول أمس في سيدي بوزيد، وما سبقها من "عسكرة" للأجواء خلال محاكمة نقابيي المستشفى الجهوي الهادي شاكر بصفاقس، ولغة القوة والاعتداءات الحاصلة على بعض المواطنين بجهة الحمامات، على إثر اتهامهم بالإفطار في رمضان. هذا المنطق الجديد في معالجة الأشياء ومواجهة المواطنين بالقوة، وغض النظر عن مشاغل الجهات، مهما كانت قيمتها ليس إلا نوعا من التهرب والتنصل من المسؤولية. هذا الفراغ السياسي في إيجاد الحلول الكفيلة بالرد على طلبات المواطنين العاجلة. نعتقد أن ذلك ضرب من الإفلاس السياسي الذي قد يتطور إلى مظاهر قمع مفتوح في قادم الأيام، ويكشف بالتالي عن العودة إلى العصا الغليضة في مواجهة طلبات المواطنين.