رغم تأكيد أكثر من طرف حكومي بأنّ هذا البرنامج هو أفضل ما قد يطرح في وضع اقتصادي مشابه لما تعرفه البلاد وأن أزمة البطالة مثلا أزمة متفاقمة يوما بعد يوم وهي تبذل كل ما في وسعها لتطويقها والحدّ من الأزمة لكنها رغم ذلك فهي لا تملك عصا سحرية لحل كل مشاكل البلاد المتراكمة على مدى عقود صبرة واحدة.. المعارضة «تنقضّ» على الفرصة ! منذ بدأ الحديث عن حكومة سياسية، ائتلافية تقودها حركة النهضة ذات الأغلبية التأسيسية خلال مرحلة ما بعد انتخابات التأسيسي، اتخذت بعض الأحزاب المتواجدة بالمجلس الوطني التأسيسي موقع المعارضة ورفضت الدخول في أي ائتلاف حكومي.. هذا القرار فرض جبهتين في المشهد السياسي جبهة حاكمة تؤثثها أحزاب النهضة والمؤتمر والتكتل وجبهة معارضة يتزعّمها الديمقراطي التقدّمي سابقا والحزب الجمهوري حاليا.. ولم تنتظر المعارضة طويلا لتوجّه نقدها اللاذع الى الحكومة وخياراتها منذ البداية وأنها تفتقد لبرنامج حكم ورؤية واضحة لقيادة البلاد في مرحلة حساسة.. ورغم أن الحكومة حاولت في أكثر من مناسبة ولدفع «أذى» المعارضة عنها بأن تتهمها بأنها معارضة احتجاجية تكتفي بشجب أي موقف دون سعي لتحمّل جزء من المسؤولية الوطنية التي تقتضي أن لا تكتفي أحزاب المعارضة بالمعارضة لكن تعمل على طرح البدائل وإيجاد حلول لمشاكل البلاد المستعصية والمتفاقمة. في هذه الأيام صعّدت المعارضة من لهجتها وجاهر الحزب الجمهوري، الذي وجد نتيجة انصهار عدد من الأحزاب وعلى رأسها الحزب الديمقراطي التقدمي، بضرورة التحلّي بالجرأة السياسية والإقرار بالفشل والبحث بكل جدية ومن كل الأطراف بما فيها الأطراف الحاكمة خيار حكومة إنقاذ وطني.. الإنقاذ بين الواقع و «أحلام» السّياسيّين حسب روزنامة المواعيد السياسية القادمة فان الانتهاء من الدستور سيكون بعد حوالي 4 أشهر وموعد الانتخابات القادمة سيكون بداية ربيع 2013 ، وهذه المواعيد ستكون حجر الأساس في الدولة التي نتطلّع إلى بنائها بعيدا عن المزايدات والمهاترات السياسية.. من منطلق المسؤولية الوطنية نقرّ جميعا أن حكومة الترويكا أخفقت في عديد المسائل وكان أداؤها في مجمله مرتبكا ويتسم بالبطء وعدم الحسم وعدم التعجّل في فتح الملفات الحارقة التي أنجز لأجلها الشعب الثورة.. لكن لا يمكن أن ننكر على هذه الحكومة محاولاتها المستميتة للنجاح لأنه ببساطة نجاحها في إدارة المرفق العام وتسيير دواليب الدولة هو نجاح سينعكس على الصورة السياسية للأحزاب المشاركة في الحكومة، وتحسين الصورة السياسية لهذه الأحزاب هو استثمار ناجح لانتخابات بدأت طبولها تقرع.. وبالتالي تعمّد الفشل أو التخاذل لتحقيق النجاح غير منطقي وغير عقلاني.. نعم للتعديل.. لا للإطاحة بالحكومة لا يمكن اليوم والبلاد على محك تأزّم المجالين الاقتصادي والاجتماعي الحديث عن تغيير جذري في الحكم لاعتبارات موضوعية بعيدا عن الانفعالات السياسية والأحلام الطوباوية للمعارضة.. فالتغيير في هذه الفترة هو انتحار سياسي لسبب بسيط يتمثّل في كوننا نقف اليوم على مفترق سياسي هام إذ جهود النخبة السياسية متجهة برمتها نحو صياغة الدستور وبالتالي أي تشويش على المجلس التأسيسي من خلال فتح النقاش حول حكومة جديدة قد يعطّل ويؤخّر أشغال المجلس المتأخرة بطبعها.. ولا يمكن كذلك بحال أن لا نقرّ بأن بعض الوزراء باتوا الآن على اطلاع كامل بالملفات وبمشاكل القطاعات التي يشرفون عليها وهناك فعلا وزراء مروّا الى الانجاز ومعالجة المشاكل وبالتالي فمن النزاهة تركهم يعملون.. لكن في المقابل هناك وزراء يعتقد الرأي العام أن الخيبة والفشل حكمت مسارهم المهني وبالتالي يجب أن تكون لدى رئيس الحكومة الجرأة لتغييرهم وضخّ دماء جديدة في الترويكا، ومن بين هؤلاء الوزراء الذين نعتقد أنهم فشلوا في المهمة المنوطة بعهدتهم نجد وزير التشغيل، وزير التعليم العالي، وزير التربية ووزير الخارجية رغم حصانته «الحزبية»..