رغم الجهود المبذولة لتطوير الإنتاج من الحبوب لم تمكن مساحة 1,5مليون هك المخصصة للزراعات الكبرى من انتشال تونس من بوتقة التبعية القوية للمنتج الأجنبي لتأمين الحاجيات الاستهلاكية من الحبوب. واستقر المعدل العام للواردات خلال العشرية الماضية في حدود 60بالمائة مع بروز أكبر للتبعية في مادة القمح اللين الذي لا يسمح إنتاجه المحلي بتغطية سوى نسبة تقل عن 30بالمائة من الحاجيات لندرك مدى ثقل الإعتمادات من العملة الصعبة المخصصة لتأمين رغيف خبزنا ومشتقات العجين التي تحتل تونس الصدارة في مستوى استهلاكها عالميا. هذه الوضعية تطرح تساؤلات عدة عن المعوقات التي تهدد أمننا الغذائي من الحبوب والسبل الكفيلة بتجاوزها لتقليص الفارق السلبي الشاسع في ميزان الإنتاج والواردات وهو ما انكبت الندوة الوطنية المنتظمة أمس على رصده وتشخيصه عبر استقراء واقع وآفاق قطاع زراعة الحبوب. وفي استجواب خاطف لرئيس الجمعية التونسية لتنمية الفلاحة الغذائية المستدامة (أحد الأطراف المنظمة للندوة)أشار السيد عبد الوهاب حتيرة ردا على سؤال الصباح-حول أبرز العوامل التي تهدد أمن التونسي الغذائي بأنها كثيرة وتستدعي معالجة وإعادة نظر جذرية لتوظف بشكل إيجابي في عملية النهوض بالقطاع. ذاكرا منها ما يتعلق بالبحث العلمي الفلاحي الذي يتعين أن يكون مواكبا لتطلعات المنظومة ولحاجيات الإنتاج وللمستجدات السريعة في عالم تقنيات الإنتاج والاستنباطات المتأقلمة مع خصوصيات المناخ الزراعي.وشدد على أن تكون البحوث قريبة من الفلاحين وأن توضع نتائجها على ذمتهم بتأطير جيد من الباحثين والمرشدين. وأن يضطلع التكوين الفلاحي بدوره في تمكين المنتجين من تقنيات الإنتاج الحديثة المنمية للمردودية مع الإحاطة اللصيقة بهم. كما تطرق إلى أهمية تأهيل المستغلات الفلاحية وإلى ضرورة تنظم الفلاحين صلب هياكل مهنية قادرة على حماية مصالحهم ومرافقتهم في عملية الإنتاج .والانفتاح على الخارج وعلى التجارب الناجحة في هذا المجال. الفلاحة بعيون جمعياتية ..."وفي غياب هذه الحلقات البارزة في منظومة الحبوب يصعب الارتقاء بها إلى المستوى المطلوب» يقول المتحدث مؤكدا» أن مشاركة المجتمع المدني في تشخيص واقع القطاع وآفاقه يعد أساسيا لأن الإصلاح لا يكون إلا بتفعيل دور الجمعيات والمنظمات بعيدا عن التوظيف السياسي الذي انتهجه إتحاد الفلاحين قبل الثورة". من جانبه تعرض مدير عام المعهد الوطني للزراعات الكبرى حليم بلحاج صالح إلى ما سجله القطاع من خطوات على درب التطور لكنها تبقى دون المستويات العالمية ذلك أنه رغم التحسن المسجل برزت بعض الإشكاليات التي تستوجب مواصلة العمل من أجل مزيد تطوير المنظومة ومنها إيجاد إجراءات مرافقة تهم الوضعيات المترتبة عن صغر المستغلات وإيجاد صيغ للتأمين ضد الجفاف وتطوير الخدمات الفلاحية وغيرها من الإجراءات والآليات التي تحفز المنتجين على مزيد الاستثمار في القطاع وتطوير مردوديته مستغلاته. تأمين سلامة الصابة ولأن القطاع الفلاحي على أبواب موسم حصاد يبشر بمحاصيل قياسية تعد الثانية من نوعها بعد صابة 2003يتوقع أن تتجاوز 25مليون قنطار سألنا مدير عام ديوان الحبوب عمر شوشان عن الاستعدادات المتخذة لتأمين أفضل الظروف لموسم التجميع والإجراءات الخاصة بضمان سلامة الصابة فأفاد بأن التحضيرات للموسم الجديد تسير بشكل جيد وقد تم تكوين لجنة وطنية بإشراف وزير الفلاحة لمتابعة موسم الحصاد في أدق تفاصيله وتقرر في أول اجتماع لها أول أمس تنظيم زيارات ميدانية إلى مختلف المناطق المنتجة للحبوب بمعدل ولايتين في الأسبوع للوقوف على أجواء الاستعدادات ومشاغل الفلاحين ومستلزمات الحصاد. مضيفا أن كافة الحاجيات من أكياس وتل ربط وغيرها من المستلزمات متوفرة ولا إشكال في ذلك. وحول تأمين سلامة المحاصيل والمزارع طوال موسم الحصاد تحسبا لأي انفلات أو اعتداءات أو حرائق. أشار المتحدث إلى أنه يجري التنسيق مع وزارتي الدفاع والأمن في هذا الشأن ويشارك ممثلوهما في اجتماعات اللجنة الوطنية لمتابعة موسم الحصاد معربا عن تفاؤله بأن يكون الموسم جيدا تنظيما وإنتاجا وتجميعا. مرصد لقطاع الحبوب من بين المقترحات التي تقدم بها ممثل ديوان الحبوب في مداخلته في الندوة بعث مرصد لقطاع الحبوب يكون وجهة إعلامية لكل من يهمه هذا الشأن وتناول في عرضه قطاع الحبوب بالأرقام إنتاجا وتوريدا خلال العشرية الماضية داعيا إلى التفكير الجاد في إرساء إستراتيجية جديدة بتشريك كل الأطراف تبحث في مقومات تطوير القطاع في مختلف حلقاته بعد تشخيص وضعه الراهن . فيما قدمت مداخلة الباحث محمد صالح الغربي عرضا تأريخيا لمنظومة البحث الفلاحي في مجال الزراعات الكبرى في تونس خلال قرن من الزمن متوقفا عند أبرز محطاتها ومكاسبها وتشخيص تحدياتها .كما كان لرئيس جمعية تنمية الفلاحة الغذائية مداخلة استعرض فيها إستراتيجية وأهداف الجمعية للنهوض بالقطاع وضمان الأمن الغذائي وعرض مقاربتها في تثبيت قواعد الفلاحة المستدامة.