"أكثر من تسعين إمرأة يتوفين سنويا أثناء الولادة في تونس.. ويتحول الحدث السعيد المنتظر في بيوتهن إلى دموع وألم.. إذ كشفت دراسة وطنية جديدة حول وفيات الأمهات أجريت السنة الماضية أن نسبة وفيات الأمهات بلغت 44 فاصل 8 على كل مائة ألف ولادة حية.. ورغم تسجيل تراجع بنسبة 34 بالمائة في وفيات الأمهات خلال العشريتين الماضيتين فإن الرقم يبعث على الانشغال".. هذا ما أفاد به الدكتور محمد صالح بن عمار مدير عام الصحة العمومية في لقاء صحفي انتظم ظهر أمس بالعاصمة ببادرة من وزارة الصحة العمومية وصندوق الأممالمتحدة للسكان.. وأكد الدكتور بن عمار في هذه الندوة التي تزامنت مع إطلاق حملة ضخمة للإسراع في الحد من وفيات الأمهات في إفريقيا، أنه لم يعد من المقبول تسجيل هذه النسبة في تونس، واعتبرها ضيم في حق النساء.. كما كشف أن هذه الدراسة وغيرها من الدراسات الأخرى التي أجريت حول المسألة بينت البون الكبير الملحوظ بين الجهات فيما يتعلق بالتجهيزات الصحية والمعدات الطبية.. وهذا التفاوت على حد تعبيره "غير مقبول بالمرّة".. وتعود وفيات الأمهات وفق الدراسة أساسا إلى النقص المسجل في مستوى المعدات الصحية والتجهيزات الطبية ووسائل النقل والاسعاف الطبي إضافة إلى النقص المسجل على مستوى عدد الإطارات الطبية وطب الاختصاص.. ولعل الملفت للانتباه في هذه الدراسة وفق ما بينه المدير العام للصحة العمومية هو أن نسبة كبيرة من الوفيات أثناء الولادة تحدث في المستشفيات.. إذ تشير معطياتها إلى أن 42 فاصل 7 بالمائة من الوفيات تحدث في المؤسسات الصحية الجامعية و34 فاصل 1 بالمائة في المستشفيات الجهوية و12 فاصل 2 بالمائة في المنازل.. وتعود أسباب الوفيات أساسا للمضاعفات الصحية الخطيرة الناجمة عن تأخير موعد نقل النساء الحوامل للمستشفيات نتيجة عدم توفر وسيلة لهذا الغرض إضافة إلى عدم تمتيع المرأة خلال الوضع من الخدمات الصحية والتدخلات العلاجية اللازمة في الوقت المناسب وعدم حرصها هي نفسها خلال فترة الحمل على اجراء العدد المطلوب من عيادات مراقبة الحمل.. أما في المؤسسات الصحية بالمدن الكبرى فإن ظاهرة الاكتظاظ فيها تحول دون تمتيع النساء بخدمات صحية جيدة..
متابعة للتقييم
وتحدث الدكتور محمد صالح بن عمار على عملية رصد ومتابعة جميع الوفيات ودراسة كل حالة على حدة من قبل لجنة وطنية ولجنة جهوية قصد الوقوف على أسباب الموت للعمل على تجاوزها.. وأكد في المقابل على ضرورة مضاعفة الجهود لتحسين الخدمات الصحية المقدمة للنساء الحوامل، وقال إن هناك مساع للتقليص في نسبة وفيات الأمهات إلى حدود 18 على كل مائة ألف ولادة وأخرى للحد من الفوارق بين الجهات وتحسين خدمات الاسعاف الطبي.. وفي نفس السياق بين السيد حافظ شقير مدير المكتب الاقليمي لصندوق الأممالمتحدة للسكان أن قضية وفيات الأمهات ليست قضية صحية بقدر ما هي قضية تنموية وتستوجب مقاربتها توفير كل الجهود اللازمة للتخفيض فيها على غرار التقليص من الفوارق بين الجهات وتحسين نسبة تمدرس الفتيات.. كما يرى الخبير أن التخفيض في نسبة الوفيات لدى الأمهات عند الولادة لا يمكن أن يتم دون تظافر جهود القطاعين العمومي والخاص ودون مشاركة الجمعيات المختصة.. وعبر عن استعداد صندوق الأممالمتحدة للسكان لتقديم المساعدات والخبرات اللازمة للحد من وفيات الأمهات عند الولادة. وسلطت السيدة بينيس قوناس ممثلة الاتحاد الافريقي خلال اللقاء الصحفي الضوء على الحملة الرامية للاسراع في الحد من وفيات الأمهات في إفريقيا والتي كانت تونس أول بلد أطلقها في شمال افريقيا من خلال عقد المؤتمر الاقليمي الذي تتواصل أشغاله إلى اليوم بالعاصمة ويجمع مئات الخبراء الدوليين وممثلي المنظمات التنموية والدولية والمتدخلين في المجالات الصحية بالدول الافريقية.. وبينت أن المرأة التونسية التي ساهمت إلى جانب الرجل في الثورة يحق لها أن تنعم بخدمات صحية جيدة خلال الحمل وأثناء الولادة..