"نحن في هذه البقعة من الارض محرومون من الاحتفالات بفعل سياسة الاحتلال الاسرائيلي على الرغم من اننا جزء من العالم العربي" هذا بعض ما رصدته الكاميرا المتجولة بين جموع المتفرجين الذين توافدوا على ملعب اريحا لمواكبة الحفل الفني الذي اصر على تنظيمه الفنان التونسي صابر الرباعي قبل اسبوع في فلسطينالمحتلة وهو الحفل الذي اثار ولايزال يثير الكثير من الانتقادات التي استهدفت هذا الفنان الذي اقدم على مثل هذه الخطوة تلبية لحفل نظمته شركة الهواتف الخلوية الفلسطينية بمناسبة تجاوز عدد مشتركيها المليون وهي مناسبة من شانها ان تؤكد انه لولا الاحتلال الجاثم على النفوس منذ عقود فلا شيء يمكن ان يجعل الشعب الفلسطيني مختلفا عن بقية شعوب الارض فهو شعب ما انفك يؤكد للعالم انه على عكس ما يسعى الكثيرون للترويج له، شعب محب للحياة، مقبل عليها متى توفرت له الفرصة لذلك، بل انه شعب عاشق للفن وللعطاء وللجمال.. أكثر من عشرة آلاف فلسطيني توافدوا على حفل الرباعي قادمين من مختلف المدن والمخيمات والملاجئ الواقعة بالضفة الغربية لم تمنعهم الاحوال الجوية وصعوبات التنقل وقلة ذات اليد من الذهاب الى هذا الحفل الذي ياتي ليمنحهم فرصة نادرة للترويح عن النفس والخروج عن المألوف والهروب ولو لحين من مآسي الاحتلال وجرائمه المتكررة والتي فشلت برغم فظاعاتها من ان تسلبهم انسانيتهم ومشاعرهم وحبهم للحياة. كل الذين تحدثوا للكاميرا من شبان او كهول من رجال او نساء قبل الحفل وبعده نقلوا رسالة موحدة للعالم باسره انه "من حق هذا الشعب ان يعيش وان يفرح"... احدهم واسمه طارق قال بكلمات بسيطة ولكنها لا تخلو من معاني كثيرة مؤثرة تؤكد ان الشباب الفلسطيني كغيره من شباب الأرض لديه من الطموح والتفاؤل ما يمكن ان يجعل حيويته لا تفتر ولا تنضب قال "نريد ان نفرح، نريد ان نحس بطعم الحياة، هل محرم علينا ان نفرح وان نعيش كباقي شعوب الارض".. مشهد متناقض ما في ذلك شك بين الحياة اليومية في ظل الاحتلال الاسرائيلي ومآسيه المستمرة، وبين جمهور متعطش للسهر والفرح على انغام الموسيقى، تلك اللغة العالمية التي لا تعرف حدودا ولا ترضخ للفوارق بين الحضارات والشعوب والاديان. آلاف منهم اوقدوا الشموع وتمايلوا معها وغنوا معا من اجل السلام ومن اجل الحياة ومن اجل الحب ورددوا مع الرباعي كلمات حفظوها جسدت تعلقهم بالامل وبالمستقبل وبالفن في اروع مظاهره، وهم الذين تعودوا ان يناموا ويصحوا على اصوات البنادق والرصاص والجرافات تهدم البيوت وتقطع الشجر وتصادر الامل وتسلب الحياة. لم يكن الفنان التونسي صابر الرباعي مخطئا عندما قرر ان يغني للفلسطينيين او عندما وقف بينهم، ولم يكن صابر الرباعي مذنبا عندما وقف ليحيي آلاف الفلسطينيين الذين توافدوا على مدينة أريحا اقدم البلدات في تاريخ الانسانية، ليستمعوا الى فنه ويتناغموا ويرردوا كلماته ويرقصوا على وقعها للحياة وللبقاء، وكذبوا بذلك كل من اعتبر ان هذا الشعب رافض للحياة، عاشق للموت وللفناء، وانه ليس اكثر من قنبلة بشرية قابلة للانفجار في كل حين.. نعم من حق هذا الشعب ان يعيش وان ينعم بالحياة ويتعلق بها رغم كل مآسي الاحتلال ورغم كل خروقاته وانتهاكاته وتجاوزاته لانه بكل بساطة شعب يحب الحياة ويعشق العطاء ويتعلق بالبقاء..