بالأمس تعالت أصوات - ولازالت - تطالب بإنقاذ البحر الذي أتّخذ مصبّا لمادّة الفوسفوجيبس واليوم تتعالى أصوات أخرى ترفض أن تتحوّل الأرض مصبّا له ونعني أصوات أهالي مدينة وذرف الذين وضعوا في مأزق تحمّل عبء هذه المادّة الخطرة المشتملة على موادّ مشعّة طبيعيّة. قصّة الفوسفوجيبس تعود إلى سنة 2003 حين تقرّر تحويل وجهته من البحر إلى منطقة مجاورة لمدينة وذرف تسمّى"المخشرمة". هذا القرار عورض بشدّة من الأهالي آنذاك ولكن أمام قصر ذات اليد في زمن القمع ذاك اكتفى البعض بترويج عرائض وقّّّع عليها عديد السّكان حاولوا من خلالها إبلاغ المسؤولين أنّ رأس مال كلّ دولة شعبها وأنّ الإنسان كائن عظيم وجب احترامه ، لكنّها عرائض جوبهت كغيرها باللامبالاة والنّسيان وبقي إلى اليوم شبح الخوف من هذه المادّة يخيّم على المدينة. وممّا علق بذاكرة الكثيرين من أبناء وذرف ذلك الاجتماع الذي ضمّ بعض الشّباب والمسؤولين وترأّسه معتمد المطويّة المخلوع أيضا، وقد تكلّم الحاضرون آنذاك و عبّروا عن مخاوفهم من هذا المشروع واكتشفوا ككلّ مرّة أنّ الرّفض ممنوع وأنّ سرائر المسؤولين لا تنشرح إلاّ بالتصفيق، ولا زال البعض يذكر عبارته التي توجّه بها إلى مسؤول حاول أن يستأسد في زمن الجبن ذاك فقال له " أنت معانا والا معاهم" وكأنّ أمر أنفسنا لا يعنينا وأنّهم امتلكونا كما امتلكوا كلّ شيء في هذا الوطن. وبعد الثّورة المباركة ومع شعور كلّ فرد بأنّه إنسان ينتمي إلى تونس وطن الجميع، وله الحقّ في أن ينعم بطبيعتها وخيراتها كما له كلّ الحقّ في أن يكون موضوع اهتمام مسؤولين نصّبوا لأجل السّهر على راحته وخدمته، مع هذه المستجدّات تعالت الأصوات من جديد و نشرت عديد المقالات على الانترنيت وأحدثت عشرات الصفحات على الموقع الاجتماعي الفايسبوك ، ولازال المواطن ينتظر قرار التراجع عن هذا المشروع وزاد إصراره على ذلك لمّا أدرك المخاطر الصّحيّة والبيئيّة لهذه المادّة وأثرها السّلبي على المائدة المائيّة وعلى الواحة المجاورة التي تعتبر متنفّسا أساسيّا للمدينة ومورد رزق عديد الأهالي. وبالتالي قرر السكان مواصلة رفضهم أن يوضعوا بين سندان "بخّارة " الميناء الوافدة عليهم من الشّرق ومطرقة مصبّات الفوسفوجيبس التي تحاصرهم من جهة الغرب، و سيواصلون سعيهم إلى أن تعود قابس - كما كانت - واحة كالجنان يستلطف الزّائر هواءها و يستطيب مقامها.