منير السنوسي قدّم العميد عياض بن عاشور رئيس اللجنة العليا للاصلاح السياسي والانتقال الديموقراطي خلال الندوة الصحفية المنعقدة في 23 فيفري مقترحات اللجنة حول الآليات القانونية للمرحلة القادمة والتي تتمحور حول اربع سيناريوهات، وقد تداولت الصحف ومختلف وسائل الاعلام التعريف بهذه الاليات في انتظار اقرارها من طرف السلطة السياسية بعد التشاور والحوار مع مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع السياسي والمدني. وقد بينت اللجنة أن الاتجاه السائد لدى الرأي العام في تونس يدعو الى اعتماد السيناريو الثالث الذي اقترحته اللجنة وعدة أطراف سياسية وحقوقية والمتعلق بالدعوة الى انتخاب مجلس تأسيسي يتكفل بوضع دستور جديد وتعيين حكومة مؤقتة، اذ أن هذا الحل الذي تطالب به فئات واسعة من الشعب التونسي يتماشى مع مبادئ الثورة وضرورة القطع نهائيا مع الماضي. ومن الملاحظ ان المطالبة تمحورت حول تكوين ما يسمى بمجلس قومي تأسيسي مقارنة بالمجلس الذي تكون في تونس سنة 1955 والذي تولى صياغة دستور 1959. ولئن كان هذا الرأي محل وفاق فإن الطرق الكفيلة بالوصول الى تحقيقه تطرح اشكالات عملية وتقنية دوريا مع الأحزاب والجمعيات والشخصيات الوطنية منذ يوم 4 فيفري. يتعلق الإشكال الأول بمسائل تقنية تهم طرق انتخاب أعضاء الهيئة التأسيسية والذي لا يمكن ان يتم طبق المجلة الانتخابية الحالية بل طبق نظام خاص يجب ان يحدد طريقة الاقتراع (بالتمثيل النسبي او بنظام الأغلبية، انتخاب على القائمات او على الأفراد) وطرق تقسيم الدوائر الانتخابية (حسب عدد السكان او حسب الولايات) وكيفية مشاركة المواطنين في العملية الانتخابية (بطاقة ناخب او بطاقة التعريف الوطنية) وكيفية ضبط القائمات الانتخابية (العمل بالقائمات الحالية او تحيينها) وتوزيع مكاتب الاقتراع ووسائل مراقبة العملية الانتخابية من طرف هيئة مستقلة.. كل هذه المسائل الجوهرية لا يمكن حسمها في ظرف وجيز، لانها تحدد مدى نجاح عملية انتخاب الهيئة التأسيسية وبالتالي نجاح وضع الدستور، فهي مسائل تبدو تفصيلية وتقنية في ظاهرها، لكنها تمثل في جوهرها كنه العملية الانتخابية، لذلك أسندتها لجنة الاصلاح السياسي اولوية أشغالها وانكبت لجنة فرعية يترأسها الأستاذ فرحات الحرشاني على دراستها بالتشاور مع عدة أطراف من المجتمع المدني والسياسي قصد تقديم مقترحات تهدف الى تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة في أجل 20 أسبوعا (أي خلال شهر جويلية) وهي المدة اللازمة لاعداد كامل جوانب العملية الانتخابية. يتعلق الاشكال الثاني بمسألة الترشح للانتخابات التأسيسية ومسألة الكفاءة التي قد تشترط في أعضاء الهيئة، هذه المسألة سياسية بحتة وليست من اختصاص لجنة الاصلاح السياسي التي لا تخوض فيها اذ ان القانون المتعلق بانتخاب الهيئة التأسيسية لا يمكن ان يتضمن شروطا من هذا القبيل تكون بالضرورة اقصائية وغير واقعية، الا ان الإشكال يبقى مطروحا ويرتبط بمدى نجاح اعمال الهيئة التأسيسية التي لن تتولى عملا قانونيا كسائر الأعمال الأخرى بل ستتولى وضع أعلى قاعدة في سلم القواعد القانونية وهو دستور الدولة، وتهم هذه المسألة كذلك الاتجاهات السياسية والفكرية والايديولوجية التي قد تفرزها انتخابات الهيئة التأسيسية والتي تحدد بدورها مدى نجاعة أعمالها. فالمشهد السياسي الراهن في تونس لا يفرز بوضوح قوى سياسية يمكن لها ان تتفادى في المستقبل امكانية تعطيل او توقف أشغال الهيئة التأسيسية لعدم الحصول على الأغلبية داخل الهيئة، كما ان المشهد السياسي لا يبرز تحالفات قد تتشكل داخل الهيئة التأسيسية لضمان تواصل أعمالها، هذه المسائل السياسية التي لا تغيبها لجنة الاصلاح السياسي عن اهتماماتها تستدعي من مختلف الاطراف السياسية في تونس تقديم مقترحات واضحة لان الأهم بالنسبة لفكرة الهيئة التأسيسية ليس مجرد انتخابها مباشرة من طرف الشعب وإنما ضمان شروط نجاحها للتوصل الى وضع الدستور في آجال معقولة. فالمقارنة بالمجلس القومي التأسيسي قد تبدو محدودة نوعا ما لان واقع الثورة يختلف كثيرا عن الظروف التاريخية التي أحاطت بتكوين المجلس القومي التأسيسي سنة 1955 اذ انه كان متكونا منذ الانتخابات من تحالف الجبهة الوطنية الذي جمع بين قائمات الحزب الدستوري والمنظمات الوطنية والتي كانت متوحدة سياسيا وايديولوجيا وبالرغم من حدة النقاشات داخل المجلس حول العديد من المسائل الدستورية فان هذه التركيبة السياسية المتجانسة ساعدت المجلس القومي التأسيسي على وضع الدستور وعلى الاضطلاع بمهام أخرى تشريعية. ثم فان المجلس القومي التأسيسي الذي استهل جلساته في 8 افريل 1956 شمل قيادات كانت لها الشرعية التاريخية والسياسية الكافية لحسم الامور ولتفادي تعطيل أشغال المجلس، كما كان أعضاء المجلس يحظون بإجماع شعبي كبير، مما ساهم في تحقيق الوفاق حول مناقشاته، كل هذه العوامل تستدعي اليوم التوصل الى وضع صيغة تتماشى والواقع السياسي الراهن وتستجيب الى طبيعة القوى الفاعلة في المشهد السياسي، ومن بينها اتفاق مكتوب او عرفي يبرم قبل الانتخابات بين مختلف أطياف المجتمع السياسي والمدني وينص على مبادئ الثورة التي لا يمكن للهيئة التأسيسية وللسلطة المكلفة بإقرار الدستور وختمه ان تحيد عنها.