اعادت دعوة وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني بتشديد العقوبات على ايران تسليط الاضواء على واحدة من اهم الوجوه السياسية في اسرائيل واكثرها تاثيرا على سير الاحداث مما يجعل الكثير من الملاحظين يتوقعون الا يمر وقت طويل قبل ان تنجح ليفني في كسب مقعد رئاسة الوزراء لتكون بذلك ثاني امراة تتولى هذا المنصب منذ نشاة اسرائيل بعد غولدا مائير ذلك ان ليفني وبرغم هدوئها الظاهر امام عدسات الصحافيين او في المؤتمرات الصحفية مع نظرائها في الغرب فانها تبقى شخصية لا تختلف في تركيبتها عن اغلب الشخصيات السياسية في اسرائيل التي جمعت بين الانتماء العسكري والاستخباراتي قبل المرور الى عالم السياسة وهي الى جانب كل ذلك لا تخلو من الدهاء والقدرة على المماطلة في تحقيق اهدافها. ومنذ تعيينها وزيرة للخارجية قبل نحو عام اعتبر بعض الفلسطينيين ان لقاءاتها مع الرئيس ابو مازن قد تساعد على خرق الجمود الحاصل في عملية السلام الا ان قراءة في مسيرة زعيمة الديبلوماسية الاسرائيلية من شانها ان تكشف عن خصوصيات شخصيتها وافكارها المتشددة وميولاتها فهي غالبا ما تقارن في عصبيتها بوزيرة الخارجية الامريكية غونداليزا رايس او كذلك بالمستشارة الالمانية ميركيل او غيرها من السياسيات في الغرب ممن يتمتعن بموقع على الساحة السياسية... ليفني اذن وبرغم بدلتها المدنية الانيقة وجه مرتبط بالموساد وفيه كانت انطلاقتها الاولى في عالم الجوسسة ويقول احد المحللين الاسرائيلين في وصفها انه بامكانها ان تكون قوية دون حاجة للعنف لكن ايضا بامكانها ان تتحرك خلف الكواليس وبين اسنانها خنجر فهي تعرف اصول القتال وقد توارثتها ليفني عن والديها فليس سرا بالمرة ان هذه المراة التي تتولى تسيير اكثر اللقاءات اهمية مع الفلسطينيين والامريكيين ومع مختلف الوسطاء والديبلوماسيين المتوافدين على المنطقة قد نشات وترعرعت في عائلة تتقيد بالصهيونية فقد كان والداها من ابرز المنتمين الى عصابات الارغون الشهيرة التي طالما روعت الفلسطينيين في الاربعينات ومهدت لطردهم وترحيلهم بالقوة من اراضيهم وقد كان والدها ايتان العقل المدبر لتلك العمليات وتحت اشرافه تمت عملية تفجير فندق داوود بالقدس حيث مقر اقامة المقيم العام البريطاني وانتهت العملية بمقتل اكثر من تسعين شخصا وتمر العقود ليتحول ايتان ليفني الى محام في صفوف الليكود الذي انضمت اليه ليفي لاحقا... والذين يتعاملون مع الوزيرة الاسرائيلية يعتبرون انها لا ترى ادنى احراج في ماضي عائلتها بل انها وعلى عكس الكثير من الوزراء في الحكومة الاسرائيلية ممن يحتفظون في مكاتبهم بصورهم مع الرئيس الامريكي لا تضع على مكتبها غير صورة والدها فيما تزين صورة فلاديمير جابوتنسكي ابو الصهيونية والداعي لاقامة دولة اسرئيل الكبرى احد الرفوف. وكغيرها من الاسرائيليين فقد خدمت ليفني في الجيش الاسرائيلي وفي سن الثانية والعشرين التحقت بالمخابرات خلال الثمانينات عندما كانت الاستخبارات الاسرائيلية تلاحق و تطارد القيادات الفلسطينية وكانت ليفني لا تزال في الموساد عندما تم التخطيط لضرب مفاعل تموز النووي العراقي ويقول عنها رئيس المخابرات السابق افرهيم هافلي ان ليفني كانت تنتمي للوحدات الخاصة ولا يحق لوزيرة الخارجية الاسرائيلية التي تتولى في نفس الوقت منصب نائب رئيس الوزراء ان تتحدث عن تلك الفترة او تكشف شيئا عنها، ولكن وفي المقابل فان ليفني تقول انها لم تتخل عن تلك الافكار التي نشات معها ولكنها تجد نفسها امام خيار مر فاما ان تتخلى عن حلم اسرائيل كدولة تجمع بين الديموقراطية ومبادئ الدولة اليهودية واما التخلي عن بعض تراب اسرائيل وهي تعتبر حسب تصريحاتها ان الخيار الذي اتخدته لم يكن سهلا او من دون آلام،،، الا ان ليفني وبرغم كل ما تخفيه شخصيتها قد فشلت في كسب ثقة الاسرائيليين عندما ظلت مترددة في اتخاذ موقف محدد ازاء اولمرت بعد نشر نتائج التحقيقات في حرب الصيف الماضي على لبنان فبدعوتها العلنية لاولمرت بالاستقالة عادت وتراجعت لتبقى الى جانب اولمرت وتواجه الانتقادات معه... ليفني لا تخفي طموحاتها وقناعتها بانها قادرة على كسب منصب رئاسة الوزراء ولاشك ان خلف هذه الطموحات السياسية طموحات اخرى اكبر في التوصل الى فرض الافكار والمخططات التي تسعى اسرائيل لدخول مؤتمر الخريف القادم في واشنطن معها وكسب المزيد من الوقت وتحقيق اكثر ما يمكن من التنازلات من الجانب الفلسطيني الذي يبقى الاضعف في معادلة تفتقد لابسط مقومات التوازن في ظل النظام الدولي الجديد وما افرزه من تحولات وتناقضات سياسية وعسكرية... من الجاسوسية ودنيا الاستخبارات الى عالم السياسة تلك اذن مسيرة المراة الاقوى اليوم على الساحة السياسية الاسرائيلية والتي يتعين على الفلسطينيين التعامل معها ولا شك ان بين الجاسوسية والسياسة خيط رفيع قد لا يدرك ابعاده غير الذين اختبروا المجالين بكل اسرارهما الامر الذي من شانه ان يؤكد مجددا ان الحرص على معرفة الاخر عن قرب ودراسة خصوصياته ما خفي منها وما ظهر يظل جزءا من أية معركة وفي كل الاحوال فان من يقارع او يواجه او يحارب عدوا يعرفه ليس كمن يحارب عدوا يجهل عنه كل شيئ. قد تكون ليفني متشددة في الدفاع عن ارائها ومبادئها ولكن الاهم ان يكون الطرف المقابل الذي سيجلس للتفاوض معها بنفس الوضوح وخاصة بنفس القناعة والايمان بحقه في التمسك بحقه المشروع وحماية الامانة التي حملها له شعب باكمله....