إنها عبارة عن عملية حشد كاملة للطاقات والخبرات تلك التي نشهدها بمناسبة العرض الذي يكرم من خلاله مهرجان الحمامات ومهرجان قرطاج الدوليان في دورتيهما الجديدتين الراحل علي الدوعاجي. يكفي أن ننظر في الأسماء وعدد المشاركين في عرض «مانيفاستو السرور» الذي يفتتح مهرجان الحمامات ليلة السابع من جويلية القادم ثم يقدم أمام جماهير مهرجان قرطاج في سهرة السابع عشر من نفس الشهر حتى نفهم أن العملية يراد منها أن تكون أكثر من مجرد إحياء ذكرى .ذكرى مائوية علي الدوعاجي . تونس الصباح تعود الفكرة لمحمد رجاء فرحات و هو من الوجوه الثقافية النشيطة في تونس وعز الدين المدني الكاتب المسرحي المعروف والذي اشتغل بكثافة على آثار الدوعاجي الإبداعية المتنوعة وأمضى توفيق الجبالي الوجه المسرحي المعروف التصور العام للعرض والدراماتورجيا والإخراج .أما توفيق بكار الكاتب الباحث والمفكر فهو المستشار الأدبي للعرض . الدوعاجي بين براشت و شكسبير وتوضح بطاقة العرض الفنية أن عدة أسماء من الذين بدأت ترسخ أقدامهم في المهنة تضع بصماتها في هذا العمل .ومن بينهم نذكر غازي الزغباني ونوفل عزارة والشاذلي العرفاوي وفؤاد ليتيم مساعدي مخرج وتولّى نجيب الخلفاوي تصميم الكوريغرافيا .أما الموسيقى التي وقعت صياغتها على النصوص الأصلية للدوعاجي فهي بامضاء حاتم القروي مهدي ونجيب الرقيق وقد تطلب العرض مشاركة عدة أسماء محترفة في مختلف الإختصاصات الركحية والفنية والتقنية وغيرها وتم الإستنجاد بفريق ضخم من المغنين والراقصين والممثلين الذين يبلغ عددهم مائة مشترك ينتمون كلهم إلى تلاميذ «استوديو التياترو» التابع لفضاء «التياترو» بالعاصمة الذي يشرف عليه الثنائي توفيق الجبالي وزينب فرحات . وتجدر الإشارة إلى أن فضاء «التياترو» أنتج العرض بالتعاون مع وزراة الثقافة و المحافظة على التراث ومهرجاني الحمامات وقرطاج .ومن المنتظر أن يتواصل عرض هذا العمل بفضاء «التياترو» خلال الموسم الثقافي القادم كما يعرض بعدد من مدن الجمهورية حسب تأكيد إدارة هذا الفضاء . تتواصل الإستعدادات لتقديم العرض الفرجوي الذي تتخذ فيه الصورة والإضاءة مكانة محورية وينتشي الجسد متفاعلا مع إيقاع الكلمة واللحن والصوت الآتي من بعيد ليرج الأسماع حتى تتجلى اللغة في كامل بهائها وليكون الجمهور على موعد مع انتاج فني متكامل في مستوى ما يعد به المنتجون وأصحاب الفكرة . يضع محمد رجاء فرحات الموضوع في إطاره .فهو لم يتردد في مقارنة الدوعاجي الأديب و الزجّال و الصحفي ورجل المسرح بقمم في الموسيقى والإبداع عموما .موزارت مثلا أو براشت وشكسبير . المقارنة تصح في رأيه عندما ننظر للموضوع من زاوية أن تلك القمم تبقى حاضرة بيننا ومعاصرة لنا مهما تراكمت السنين وتواترت العقود من الزمن بفضل ديمومة ابداعها وقدرتها على محاورة الناس في كل العصور . توفيق الجبالي ينفي عن الدوعاجي صفة الفنان المغبون اليوم وبحساب السنين يفصلنا قرن كامل على تلك اللحظة التي ولد فيها الدوعاجي لكن الدوعاجي رحل قبل أن يقفل عامه الأول بعد الأربعين .كان قد ولد سنة 1909 في مطلع العام وتوفي سنة 1949 وتحديدا في شهر ماي .ومع ذلك فإن ذكراه لا تزال حية .الأمور لا علاقة لها حسب محمد رجاء فرحات إلا بقدرة الدوعاجي على أن يبقى قريبا من مجتمعنا بابداعه .ويحسم صاحب فكرة العرض القول عندما يؤكد أن الوعاجي لم يبق بأعماله حيا فقط بل إن ذلك الفكر الثائر وتلك المخيلة الخصبة وذلك الظرف وخفة الروح لا تقبل المنافسة إلى اليوم . أما توفيق الجبالي الذي نكتشف من خلال تقديمه للعرض أنه يعرف جيدا متى يتواضع ولمن؟ . إنه يتواضع أمام ما يراه من عبقرية الدوعاجي .بل يطلب الصفح على ما يسميه بالنسيان الذي طال .ويعلن أنه من خلال هذا العرض يسحب الرجل من صورة يراها لا تليق به صورة «الفنان المغبون» ويضعه في مكانه الذي يراه أهلا له حيث نجد علي الدوعاجي الواثق من نفسه المعتز بذاته بظرفه المعلوم ونباهته ومخيلته الساخرة الفطنة والذكية .لننقله من مقهى العباسية إلى ما أسماه بمقهى العبثية حيث تكون جميع أهوائه فأيام زمان مقضية .ذلك ما تعهد به توفيق الجبالي وليس بأقل من ذلك وليس على خلاف هذه الصورة نريد أن نرى الدوعاجي وقد عاد من الغيبة التي طالت . قد لا ينبغي أن نفوت الفرصة للإشارة إلى أن عنوان العرض « مانيفاستو السرور» مستمد من عنوان صحيفة «السرور» التي كان الدوعاجي قد بعثها في فترة من حياته .العنوان لا يخلو كذلك من إحالات فلسفية ومرجعيات فكرية معروفة .