في نفس هذا الركن كنت دعوت أكثر من مرّة الى إيلاء البحوث الاجتماعية والنفسية أهمية والى الاستثمار فيها لان الاستثمار فيها هو إستثمار في رأس المال البشري الذي يعتبر ثروة تونس الوحيدة.. ودعوتي هذه تنّم عن اقتناع يشاطرني فيه الرأي العديد من الناس من أن مجتمعنا يعيش تحوّلات جذرية عميقة ولابد من سبر أغواره وتشخيص حاله ومعرفة مآله. ولهذه التحوّلات مظاهر عدة بعضها إيجابي اذا ما تعلّق بارتفاع درجة الوعي العام بالحقوق أكثر من الواجبات -وبعضها الآخر سلبي لعلّ أسوأه تعدد الجرائم البسيطة منها والمعّقدة والخطيرة ..ولئن تساعد الدراسات الاكاديمية والميدانية على معرفة كيف يفكّر الفرد منّا ولماذا يذنب فإنه بالتوازي مع ذلك لابد أن تبادر المؤسسات القضائية والعقابية بتطوير قوانينها وأساليب تنفيذها ولعلّ من أهم هاته الاساليب الاستفادة من التطوّر التكنولوجي كما استفادت من التطوّر العلمي بالاعتماد على تقنيات الكشف الجيني. ومن أحدث التقنيات التي أثبتت جدواها في الدول المتّقدمة اعتماد المراقبة الالكترونية للمساجين بعد تجنيبهم البقاء في السجن وإحكام متابعتهم بفضل السوار الالكتروني أينما حلّوا.. وقد كشفت هذه التقنية عن امكانية التخفيض في كلفة إدارة المؤسسات العقابية وعن تجنيب السجين النقيّ السوابق الاختلاط بالمجرمين بما يعنيه من تكوين مجاني في شتى فنون الاجرام ومنحه الفرصة لمواصلة نشاطه الاقتصادي مع التقيّد بمواعيد لسجن نفسه بنفسه داخل منزله. ولعلّ أفضل نعمة يمكن أن يمنحها لنا السوار الالكتروني اذا ما تقرر اعتماده ببلادنا هو امكانية مراقبة تحرّكات قدامى المساجين ممن انتهجوا نهج الاجرام واختاروه رغم تكرار زياراتهم للسجن.. فبفضل هذا السوار يمكن الكشف عن عديد الجرائم كلّما كان حامل السوار طرفا فيها اذ يكفي مراجعة المسح الموقعي لحاملي الأساور لمعرفة من وجد بموقع الجريمة ساعة حصولها فيكشف عن السارق أو قاطع الطريق أو المعتدي أو المغتصب... في وقت قياسي. ويكفي السجين السابق الشعور بأنه دائم المراقبة ليلتزم بالسلوك القويم وينخرط في العمل الايجابي الذي يفترض ان تساعده في أدائه مكوّنات المجتمع المدني التي من مهامها الاساسية الحفاظ على المجتمع وتماسكه.. واعتقادنا انه آن الآوان كي تنكّب الجهات المعنية على دراسة هذا الملف وايلائه العناية اللازمة والبحث في السبل المثلى لتمويله في إطار علاقات التعاون التي تربط بلادنا بالدول الصديقة وباتحادات الدول والمنظمات الأممية.. وما نأمله هو أن نعجّل بتجربة هذه التقنية.. ولو في نطاق محدود.. بعد تعديل النصوص القانونية طبعا للوقوف على مدى جدواها.. والمؤكد أن معدّلات تراجع العود للاجرام ستتحسن. حافظ الغريبي للتعليق على هذا الموضوع: