يبدو أن العودة السياسية والمدرسية وغيرها لن تكون عادية.. غير عادية ليس لأنها تحمل طموحات جديدة ويحلم فيها كل طرف بتحقيق الأهداف المرسومة وتحسين النمو وامتصاص الاحتقان الاجتماعي مع اعداد ميزانية للسنة المقبلة تتماشى والامكانيات الاقتصادية والاجتماعية.. بل لأنها ستكون ساخنة ومليئة بالصراعات على جميع المستويات على المستوى الاجتماعي تزامنا مع المفاوضات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص.. وكذلك تهديد الجامعة العامة للتعليم الثانوي بعودة مدرسية غير عادية مما يؤشر على أن موجة من الإضرابات قادمة ومن التحركات للمطالبة بما تم الاتفاق حوله.. إضافة الى الاضراب العام في القطاع العام.. وعدة إضرابات أخرى في أسلاك التربية والتعليم وقطاعات أخرى.. .. وتتزامن أيضا العودة السياسية مع بداية النظر في مشروع ميزانية سنة 2019 وما ستحمله من مفاجآت.. بالإضافة الى موقف ومقترحات منظمتي الأعراف والشغالين ومع عودة الحرب على الفساد التي خلفت عدة ردود أفعال، إذ هناك من يعتبرها انتقائية، بينما يراها البعض الاخر مناورة سياسية من حكومة يوسف الشاهد لحشد المناصرين استعدادا للاستحقاقات القادمة.. وكذلك محاولة من يوسف الشاهد للخروج من مأزق الأزمة السياسية الخانقة منذ أربعة أشهر.. خاصة بعد دعوة النهضة لحكومته بأن تخير بين البقاء وعدم الترشح للانتخابات المقبلة أو المغادرة ودعوة نداء تونس المتواصلة إلى اقالة الحكومة وإعادة تشكيله لجبهة جديدة من بينها بعض المنشقين عنه.. وهناك كتل جديدة تشكلت سيكون لها تأثيرها في البرلمان وهي في النهاية حزام ليوسف الشاهد وحكومته.. مما يوحي بأن الأزمة السياسية قد بدأت تستقر أيضا تحت قبة باردو.. اتهامات.. ومناورات سياسية.. وتكتلات مرتقبة وأخرى بدأت تتشكل.. وجبهات معارضة، مدارها الحكومة والوضع العام في البلاد.. وصراعات داخلية وخارجية، لكن الكل عدل ساعته على انتخابات 2019 وانطلق في مرحلة الحشد وجلب الأنصار، وفي كل هذا الخضم يبقى المواطن محور كل هذه التجاذبات. فالكل يتحدث عن حقوقه وعن ضعف مقدرته الشرائية والوضع الصعب الذي يعيشه لكن الساحة السياسية لم تتوفق منذ الثورة في انقاذ المواطن ولم تنجح في إيجاد الحلول التي توفر له العيش الكريم والعيش الآمن، الا في الوعود الانتخابية الزائفة.. يحملون الحكومة مسؤولية عدم انجاز المشاريع وضمان العيش الكريم للمواطن في بلد يتعطل فيه إنتاج الفسفاط حتى فقد كل الأسواق العالمية.. ويتعطل فيه انتاج النفط لأشهر.. وتعمه الاحتجاجات والاضرابات العشوائية التي تضرب المؤسسة خاصة والاقتصاد عامة.. وهذا ليس دفاعا عن الحكومة الحالية، بل نفس الظروف عاشتها الحكومات المتعاقبة، لان هذه الحكومات لم تكن تحكم بل تحكم وتدير الشأن العام كواليس الأحزاب.. يتحدثون عن جفاف مدخرات صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية ولم يقولوا إن المتمتعين بالعفو التشريعي حصلوا على التعويضات.. وأصبحوا من أصحاب الجرايات دون أن يساهموا ولو بمليم واحد لعشرات السنين.. يتحدثون عن المؤسسات العمومية وما بلغته من وضع مزر والحال أن كل المنتدبين بعد 2011 كعمال أصبحوا إطارات عليا وتكاليفهم الشهرية ضخمة.. وشركات البيئة التي لم تزرع ولو شجرة واحدة، لكن آلاف العمال يحصلون على رواتب.. وكل ذلك باسم «الثورة المجيدة» ولم يتجرأ أي كان على كشف الحقيقة ومصارحة الناس بما حدث على مستوى الحكومات المتعاقبة وماذا فعلت بها الأحزاب الحاكمة، بل تواصل الحديث عن الطلبات وعن الاتفاقيات ليصبح المستقبل مجهولا.. والمواطن يعيش على الهامش، ولا يقع الالتفات اليه الا عند كل استحقاق.. والمؤكد أنه بعد أن أصبح التونسي محروما من كل مقومات العيش الكريم، مقابل انتفاع الأحزاب بمزايا الثورة وبروز الزعامات وكثرة الرؤوس، لابد من تلقين الساحة السياسية درسا بليغا، فلم تعد هناك ثقة لا في السياسيين ولا في الأحزاب وخاصة التي حكمت ما بعد الثورة، ولا أيضا يرجى من المعارضة أن تقدم البديل زيادة عن تواصل عجز الأحزاب عن تقديم بدائل حتى للعودة السياسية.. لقد فضح أمر الجميع ولابد من اسقاط هذه الأحزاب من غربال المواطن والتوجه الى حلول جذرية تنقذ البلاد من تجار السياسة والأخلاق وحتى المذاهب الفكرية والدينية.. حتى لا تزيد العودة السياسية الساخنة في رطوبة حرارة فصل الخريف..