بمشاركة خبراء في الموارد المائية والطاقة، عقدت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري أمس بمدينة العلوم لقاء علميا حول تحلية المياه باستعمال الطاقات المتجددة لتنمية القطاع الفلاحي حضره عبد الله الرابحي كاتب الدولة المكلف بالموارد المائية والصيد البحري، وخليل العميري كاتب الدولة لدى وزير التعليم العالي. وقدم فريق من الباحثين متعددي الاختصاصات بهذه المناسبة عصارة بحوث علمية حول تشخيص مكامن المياه المالحة في تونس والتي يقدر حجمها الجملي بستمائة وثلاثين مليون متر مكعب، وحول امكانيات استعمال الطاقات المتجددة لتحلية المياه. وفي هذا السياق، كشف محمد بن السقا الخبير في الموارد المائية خارطة توزيع المياه المالحة الصالحة للتحلية وتلقف الحاضرون هذه الخارطة بكثير من الفضول. وقال السقا إن ستة وثمانين بالمائة من الموارد المائية المالحة موجودة في شمال البلاد وإن اثنين وخمسين بالمائة منها تبلغ درجة ملوحتها أقل من غرام ونصف في اللتر. وأشار الخبير الى ان الموارد المائية المالحة تتوزع على مياه جوفية وتقدر كمياتها بنحو 340 مليون متر مكعب ومياه جوفية عميقة وتقدر كمياتها بنحو 290 مليون متر مكعب. وبين ان الدراسة شملت الفترة الممتدة بين 1998 والفين وستة عشر وشملت خمسة وخمسين مائدة مائية. وقدم الخبير للمشاركين في هذه الورشة العلمية خارطة تفصيلية حول المناطق التي تراجعت جودة مياهها مقارنة بما كانت عليه في الماضي، ومنها على سبيل الذكر الموائد المائية الممتدة على السواحل والمائدة المائية بعقارب ورجح الخبير أن يكون مرد تملح المياه تسرب مياه البحر لتلك الموائد، وأضاف أن هناك مناطق أخرى تشكو موائدها المائية من الهشاشة مثل قصور الساف وقابس الشمالية وقابس الجنوبية وبعض المناطق بالشريط الشمالي، وبين أنه من بين المناطق التي كانت المياه فيها مالحة وأصبحت أشد ملوحة هناك على سبيل الذكر المهدية والهوارية، وفي المقابل هناك مائدات مائية مياهها جيدة مثل القيروان، وهناك مناطق فيها مواقع مياه مالحة على مسافة قصيرة من مواقع مياه حلوة مثل منوبة. وخلص الخبير الى أنه من الضروري إعادة النظر في المعلومات المتعلقة بالمياه المالحة في تونس، واعتماد معطيات علمية بدلا عن المعتقدات السائدة، وقال ان ملوحة المياه في تونس ليست بتلك الدرجة الكارثية التي يروج لها البعض، وبين أن المطلوب اليوم بعد معرفة مكامن المياه المالحة التفكير في كيفية استعمال هذه الموارد في الفلاحة بعد تحليتها خاصة في ظل الشح المائي الذي تعيشه البلاد. ونبه بن سقا إلى أن المائدة المائية مستنزفة منذ عهد الاستعمار وكان يجب توعية الفلاحين بالمخاطر منذ سبعينات القرن الماضي لكن هذا لم يحصل، وبذلك تعرضت المائدة المائية في الجنوب الى استغلال مفرط وحان الوقت لتحسيس الفلاح بتبعات هذه الوضعية لأنه في صورة عدم انخراط الفلاح في جهود ترشيد استغلال الماء فلن يتغير الحال. الطاقات المتجددة ايلان بن خميس ممثلة الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة قدمت بسطة عن مضامين القانون عدد 12 لسنة 2015 المؤرخ في 11 ماي 2015 المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجدّدة، ويهدف هذا القانون إلى تحديد النظام القانوني المتعلق بإنجاز مشاريع إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة إما بهدف الاستهلاك الذاتي أو لتلبية حاجيات الاستهلاك المحلي أو بهدف التصدير وذلك بصرف النظر عن الأحكام الواردة بالمرسوم عدد 8 لسنة 1962 المؤرخ في 3 أفريل 1962 المتعلق بإحداث وتنظيم الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمصادق عليه بالقانون عدد 16 لسنة 1962 المؤرخ في 24 ماي 1962. وقالت ممثلة الوكالة إن أول مشروع تم الاعلان عنه في إطار هذا القانون كان خلال السنة الماضية اما هذا العام فهناك سبعة مشاريع جديدة. وأضافت ان قانون الاستثمار بدوره تضمن احكاما تتعلق بالطاقات المتجددة.. ولدى حديثها عن محطات التحلية بينت انه توجد محطة تحلية مياه البحر ببني خيار تعود لكن انتاج المياه فيها كان ضعيفا، وهناك مشروعا يتعلق بالتحكم في تكنولوجيات التحلية بالطاقة الشمسية وهو يعود الى سنة 2012، وهناك محطة تحلية للمياه المالحة بقصر غيلان وهي تعود الى سنة 2009 كما توجد محطة لتحلية المياه المالحة في منطقة البيبان وحان الوقت على حد تأكيدها لتنفيذ مشاريع أكبر وأكثر مردودية. وأشار علي رحومة أستاذ البحث الفلاحي ومدير التخطيط ومتابعة وتقييم برامج البحث بمؤسسة البحث والتعليم العالي الفلاحي في وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري وهو منسق الورشة العلمية إلى أن الفلاحة هي أكبر قطاع مستهلك للماء في تونس وذلك بنسبة تقدر بخمسة وخمسين بالمائة. وأضاف: «أردنا تشخيص الوضع الحالي للمياه المالحة والتعرف على الامكانيات المتاحة لتحليتها واستعمالها في المجال الفلاحي ولهذا الغرض تولى فريق بحث تجميع كل الدراسات التي أجريت حول المياه بمختلف المراكز البحثية واطلع على التجارب النموذجية، واشتغل هذا الفريق لمدة سنة على المياه المالحة والمياه شديدة الملوحة وكيفية مساهمة البحث العلمي في تحليتها من اجل استعمالها في الري الفلاحي». وأضاف ممثل وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري أن هناك مشروعا نموذجيا في هذا الصدد سيرى النور في ظرف أشهر، وسيكون في إطار الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وسينفذ في الجنوب التونسي حيث تتجاوز نسبة ملوحة المياه عشرة غرامات في اللتر. وبين رحومة أن ارتباط البحث العلمي بالمجال الزراعي هام للغاية من اجل تحسين المحصول الزراعي، لأن البحث يساهم في توفير منتوجات ذات جودة عالية. وتحدث المشاركون في الملتقى عن تأثير تغيير المناخ على ارتفاع مستوى البحر وما ينجر عنه من تملح الموائد المائية الساحلية مثل المهدية وقابس الشمالية وقابس الجنوبية وقصور الساف.. وبينوا انه تم استعمال وحدات تحلية مياه منذ سنوات قليلة لري الخضر خاصة الطماطم. ورحب كاتب الدولة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي خليل العميري بعمل فريق البحث وبين ان الكفاءات التونسية قادرة على ايجاد برامج تمكن من انقاذ البلاد من المشاكل المنجرة عن النقص في الموارد المائية وأضاف انه حان الوقت لاستثمار البحث العلمي واخراجه من المخابر. أما كاتب الدولة للموارد المائية عبد الله الرابحي فقال انه تم اجراء مئات البحوث العلمية حول قطاع المياه وكان لا بد من تجميعها والاستفادة منها وذكر ان اشكالية الشح المائي ليست جديدة بل عرفتها تونس منذ خمسة آلاف سنة كما عاشت البلاد عبر تاريخها العديد من فترات الجفاف، وهي اليوم تعاني من جفاف تواصل ثلاث سنوات. وأضاف أنه رغم الجفاف هناك اعتداءات كثيرة على الموارد المائية لذلك سيتم وضع خارطة توجيهية للماء لأنه لم يعد مسموح به التعامل مع الماء بنفس العقلية فالماء لا يقدر بثمن واضاف انه تم اعداد مشروع قانون يتعلق بمجلة المياه وهو حاليا أمام أنظار مجلس الوزراء.